عندما استقر فريق العمل في «جمعية رعاية أطفال السجينات» التي أشرف برئاستها علي عزبة الوالدة (أحد الأحياء الشعبية بحلوان) لإقامة مؤتمرنا الشعبي الثالث بها، أعجبني الإسم، وشعرت أنه المكان الصحيح للقاء سيدات بلدنا الحقيقيات، بنات البلد، اللاتي يكافحن ببسالة من أجل لقمة العيش ويحاولن تدبير قوت أولادهن بكل صبر وإيمان، ومقاومة الظروف الصعبة التي يواجهنها. و صدق حدسي، فقد كان يوم السبت الماضي 7 نوفمبر يوما مليئاً بمشاعر الرضا والحب والرغبة في العطاء من الجميع. كان المؤتمر بعنوان «متمضيش علي بياض» وهدفه توعية سيدات بلدنا البسطاء، المكافحات، بخطرالتوقيع علي ايصالات أمانة لأي تاجر يحاول استغلال حاجتهن إلي شراء ثلاجة، أو بوتاجاز أو مفروشات لجهاز ابنة علي وشك الزواج. وهو المؤتمر الثالث الذي تقيمه جمعيتنا العريقة التي تحتفل هذا العام باليوبيل الفضي لتأسيسها، كأول جمعية تقتحم عالم سجن النساء في مصر وترفع الستار عن قضايا إنسانية واجتماعية خطيرة تختبئ وراء القضبان. كانت قضية أطفال الزنازين هي بداية الخيط، هؤلاء الأطفال الذين يولدون في السجن تدفع بهم أرحام أمهاتهم السجينات، ليفتحوا عيونهم البريئة علي وجوه السجَّانات، وجدران السجن، ودموع أمهاتهم السجينات. و استمرت رحلة الكشف ومحاولة التخفيف من هذا الواقع المر علي هؤلاء الأطفال الأبرياء من خلال زيارة شهرية يقوم بها أعضاء الجمعية للسجن، حاملين الألبان والأغذية والبطاطين والبامبرز والأدوية وغيرها من متطلبات الحياة الأساسية. استخرجنا شهادات ميلاد لعشرات الأطفال الذين لم تملك أمهاتهم الجنيهات القليلة لدفع الرسوم الإدارية المطلوبة لذلك. و مرت السنوات لنكتشف قضية أخري لا تقل قسوة عن الأولي. قضية «سجينات الفقر « أو «الغارمات» وكنا أول من ساهم في الإفراج عن أول غارمة من سجن القناطر للنساء عام 2007 اسمها «أميمة» وبذلك فتحنا الباب أمام مئات الغارمات ليخرجن من أسوار السجن إلي الحياة الطبيعية مرة أخري. الآن تدخل الجمعية مرحلة أخري تتمثل في دمج السجينات الفقيرات بعد خروجهن من السجن في المجتمع بتدريبهن علي حرفة وتشغيلهن حتي يجدن قوت أولادهن بعيدا عن الطرق الحرام. وقررنا كذلك من خلال مشروع «حياة جديدة» بالإشتراك مع مؤسسة دروسوس أن نطلق مبادرة «متمضيش علي بياض» لتوعية النساء المعرضات لأن يقعن في فخ إيصالات الأمانة، الباب المؤدي إلي السجن. شاركتنا المؤتمر الدكتورة آمنة نصير، عضو مجلس النواب وأستاذ الفلسفة والعقيدة، والدكتورة آية ماهر أستاذ الإجتماع والتنمية بالجامعة الألمانية والمستشار خالد العصرة المحامي بالنقض والأستاذ أشرف عيد مدير المشروعات بمؤسسة دروسوس. وممثلون عن مؤسسات المجتمع المدني : وقفية المعادي وجمعية قافلة الخير وممثلو وسائل الإعلام. كان يوما ناجحا بمعني الكلمة، خرجت عشرات النساء من هذا اللقاء مشحونات بالأمل، محصنات ضد شر مستطير اسمه : إيصال الأمانة. شكرا لكل من أعطي خبرته ومعلوماته القيمة لبنات وسيدات بلدنا الطيبات.