د. محمد العقلا : تحديات تقنية وتجارية وصناعية تهدد لغة الأمة المؤتمر الدولي بالجامعة الإسلامية يطالب الحكومات العربية باستخدام الفصحي في الوزارات بمجرد وصولك ل "مدينة" رسول الله صلي الله عليه وسلم.. تدرك أنك تمشي علي أرض غير الأرض، وتري وجوها سمحة بخلاف العابسة التي تعودت عليها، وتشعر أن كل من علي الأرض مهما اختلفت جنسيته يفهمك ويحاورك رغم ملامحه المختلفة، لأن الجميع هنا يتحدث لغة واحدة هي لغة القرآن الكريم.. اللغة العربية أو لغة ال" ض" كما يحلو لعلماء اللغة أن يطلقوا عليها. في المدينةالمنورة تشعر بقيمة اللغة العربية وعظمة الإسلام، ولا تجد مفراً من أن تسأل نفسك سؤالاً مباشراً وأنت تشاهد مئات الآلاف يوميا يدخلون ويخرجون من المسجد الشريف ومئات الآلاف أو الملايين غيرهم يقرأون القرآن.. لماذا لم تصبح اللغة العربية هي اللغة الأولي عالمياً ؟ .. رغم أن عدد المسلمين علي مستوي العالم أصبح أكثر من مليار و600 مليون نسمة .. وهذا العدد كان كفيلاً بتتويج اللغة العربية علي قمة اللغات العالمية. الإجابة عن التساؤل السابق وعن أسئلة أخري كثيرة جاءتني خلال مشاركتي في المؤتمر الدولي الأول للغة العربية الذي نظمته الجامعة الإسلامية في المدينةالمنورة الأسبوع الماضي، تحت رعاية صاحب السمو الملكي الأمير عبدالعزيز ماجد بن عبد العزيز أمير منطقة المدينةالمنورة ، وبرئاسة الدكتور وخبير الاقتصاد الاسلامي محمد العقلا مدير الجامعة الاسلامية والذي أكد ل" أخبار اليوم " أن الجامعة الاسلامية لم تختر هذا الموضوع من فراغ وانما جاء اختيار الموضوع بعد زيادة التحديات التي تواجه اللغة العربية سواء تحديات تجارية أو صناعية أو تقنية بخلاف زحف العامية الشديد علي كل تعاملات المواطنين اليومية مما يهدد لغة الأمة وثقافتها ووحدتها حضور مصري وقال العقلا انه تم الاعداد للمؤتمر لمدة عامين، وقدم الباحثون 581 بحثاً، تم تصفيتها إلي 66 بحثاً نوقشت خلال المؤتمر في خمسة محاور، مشيراً إلي أن عدد الدول المشاركة وصل إلي 17 دولة وعدد الأساتذة والعلماء والباحثين المشاركين وصل إلي 200 من بينهم حوالي 30 عالما مصرياً يتقدمهم د. محمد علي محجوب وزير الأوقاف الأسبق، ودكتور عبدالله الحسيني وزير الأوقاف ورئيس جامعة الأزهر الأسبق، ودكتور أسامة العبد رئيس جامعة الأزهر وفي الجلسة الافتتاحية للمؤتمر مساء الاثنين الماضي والتي امتدت لما يقرب من ثلاث ساعات تقريباً أكد العقلا أن الجامعة الإسلامية إذ تنظم هذا المؤتمر، لتدرك ضرورة مواكبة اللغة العربية لعصرها الحاضر، وارتقاء أهلها بها، إلي مستوي يليق بمكانتها، دون مَساس بأصولها وقواعدها، كما تستشعر الجامعة خطورة ما يعترض اللغة العربية، ويهدّد بقاءها، في عصر عولمة شاملة، تقنية وتجارية وصناعيّة وثقافية، وفي ظل زحف من العامّية واللهجات المتعدِّدة واللغات الأخري. اليوم الأول وصباح الثلاثاء بدأت الجلسة الأولي للمؤتمر حول المحور الأول بعنوان "دور أقسام اللغة العربية في الجامعات في النهوض بالعربية وآدابها" وأدارها الدكتور إبراهيم أبو عبادة رئيس جهاز الإرشاد والتوجيه بالحرس الوطني، وكانت جلسة مثمرة واحتدت فيها المناقشات واستعرض خلالها عدد كبير من الباحثين مشاكل اللغة وحددوا كيفية التغلب عليها ، فقد طرح الباحث الدكتور عبدالرزاق جعنيد من كلية الآداب بجامعة شعيب الدكالي بالمغرب ورقة بعنوان "في تعريب العلوم إشكاليَّة تعريب المصطلح العلميّ"، قدم خلالها تصوراً نظريًّا لصناعة المعجم المختص، كما قدم الباحث الدكتور "هارون المهدي ميغا" من كلية الآداب بجامعة بماكو الوطنية بجمهورية مالي بحثاً بعنوان "تحديات تواجه اللغة العربية في التعليم العالي بغرب أفريقيا«، خلص من خلاله إلي وجود تحدِّيات خاصَّة أو مباشرة تشمل: التحدِّي العلمي، المتمثل في التقليل من شأن اللغة العربية والتنفير من تعلُّمها بأساليب متعدِّدة في أوساط كثير من المثقَّفين ورجال التعليم العالي بغرب أفريقيا من المتأثِّرين بمواقف المستشرقين المتشدِّدين، ومن المُتَغرِّبين، وتشويه تاريخ اللغة العربية وحضورها القويّ في المنطقة، ومحاولات عَلْمَنَة اللغة العربية؛ بتجريدها عن الإسلام من جانب بعض "المأجورين"، إضافة إلي قلة نشر البحوث العربية واعتماد اللغات الأجنبية في التعليم، كما ذكر أن اللغة العربية تواجه تحدياً ثقافياً يتمثل في عدم تقبّل المثقفين المهتمّين بالعربية في أوساط الثقافة هناك، وانعدام التوءمة بين أقسام اللغة العربية في جامعات غرب أفريقيا ونظيراتها العربية، وندرة وسائل الإعلام الناطقة بالعربية. أما التحدي الاجتماعي فذكر أنه يظهر في حصر نطاق استعمال العربية في فصول الدراسة والنظرة المادية والدونية للمتخرجين في التعليم العربي من قبل أفراد المجتمع، وعدم المشاركة السياسية من قبل هؤلاء الخريجين، كما أن التحدي الإداري يتمثل في عدم التخطيط لتطوير العربية في الجامعات الأفريقية. وقدّم الباحث الدكتور فريد عوض حيدر أستاذ علم اللغة بكلية دار العلوم بجامعة الفيوم بحثاً بعنوان: "معوّقات تعريب العلوم التطبيقيَّة في الجامعات المصريَّة، تناول خلاله معوقات تعريب العلوم التطبيقية في الجامعات المصرية علي المستويين النظري والميداني المستخلص من مؤشرات استطلاع رأي لدي عينة من أعضاء هيئة التدريس والطلاب، مشيراً إلي تنوع المعوقات علي المستوي النظري ومنها: مقاومة الأكاديميين من أعضاء هيئة التدريس لحركة التعريب، ومعوقات متعلقة بالمصطلح والترجمة، وغياب الوعي بأهمية تقديم العلوم باللغة العربية، ونقص التنسيق بين جهود التعريب، مرجعاً كلا من هذه المعوقات إلي أسبابه التاريخية والعملية. المحور الثاني وفي الجلسات الثانية والثالثة والرابعة طرحت أبحاث تصبّ في المحور الثاني الذي جاء بعنوان "اللهجات والتأصيل اللغوي" حيث قدمت الدكتورة آمال السيد حسن علي أبو يوسف الأستاذ المساعد بجامعة قناة السويس ورقة حول "لحن العامة في ضوء النحو والصرف" وقد عنيت الباحثة بتعريف مصطلح اللحن في اللغة وكيفية ظهوره وعوامل انتشاره، وآثار ظهوره، وجهود علماء اللغة في محاربته، ثم أفردت جانبًا مهمًّا من هذا التمهيد للحديث عن اللحن في القرآن الكريم، وفي الحديث النبوي الشريف. وفي تناولها لمسألة اللحن في القرآن الكريم عنيت الباحثة ببيان حكمه، وأنواعه، وحكم من تعمد اللحن في قراءته للقرآن الكريم، كما عنيت في تناولها لمسألة اللحن في الحديث النبوي الشريف ببيان أقسامه، وحكم كل قسم، وحكم رواية الحديث الملحون، وطرق تجنبه . وقدمت الباحثة في مبحثها الأول وتحت عنوان: "الأخطاء النحوية والصرفية عند العامة وتصحيحها" كما شهدت الجلستان الرابعة والخامسة من المؤتمر اللغوي طرح 16 بحثاً تناولت محور "اللغة العربية ووسائل التقنية المعاصرة" وناقشت التحديات التي تواجه اللغة في التعليم الإليكتروني وأزمة اللغة في الخطاب الإعلامي المعاصر، وفضائيات الأطفال، إضافة إلي تقييم المحتوي الرقمي العربي في الشبكة العالمية وعولمة الفصحي، والدرس النحوي في ضوء الحاسب. كما تناولت الأبحاث دور الآثار الأدبية المعاصرة في النهوض باللغة بطرح أوراق حول أدب الطفل وشعر الفصحي بمحاذاة الشعر العامي وتجديد البلاغة العربية وتأثير اللغة الإنجليزية علي اللغة العربية الإعلامية. وقد قدم الدكتور سليمان حسن زيدان من جامعة عمر المختار في طبرق بليبيا ورقة بعنوان: »عولمة الفصحي وتطويرها بين الإلزام والالتزام، والضرورة والإمكان«. وقال : "إنَّ العولمة القويمة التي هي نهجنا عولمة الإقرار والإدراك لقدرة ذي الجلال والإكرام ورحمته وفضله، وتعميم ما أمر به من اتّباع وتمسك بالفضائل السمحة والخلق العظيم، والسلوك القويم الهادي إلي الصراط المستقيم . وإسقاط الخير (الفضائل) علي الإنسانيَّة كلِّها". وأوضح الباحث أنَّ القرآن نزل بلسان عربي مبين. ذلك اللسان الذي فرطنا فيه بالأمس ونكاد ننكره اليوم بما برعنا فيه من تجاهل له وانصياع لغيره وتكالب محموم عليه. اللسان الذي نزل به القرآن، وأوتي به خير الأنام (محمد) [ جوامع الكلم، وهو العالمية فضائله؛ بقول (الحق) في شأنه »وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ« وقوله »تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَي عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا«. وفي اليوم الثاني والأخير من جلسات المؤتمر تم طرح 18 بحثاً تركزت حول "هموم اللغة العربية في عصر العولمة" فقد ألقي عبدالقادر بو شيبة من جامعة أبي بكر بلقايد بالجزائر بحثاً حول "اللغة العربية والتنمية المستدامة: جدليَّة العلاقة وسبل النهوض" وقد أشار الباحث في بداية حديثه إلي التحديات التي تواجه اللغة العربية الفصحي في مقاومة التهميش والتجاهل اللذين يلاحقانها خاصة في عصر العولمة، كما أشار إلي أهمية الجهود التي تمكِّن للعربية في وطنها، وانتهي إلي القول بأنه لا سبيل إلا أن تكون العربية هي لغة التعليم والعلوم والاقتصاد والإدارة والإعلام والصناعة والتقنية، وتلك هي مجالات التنمية المستدامة والشاملة، ثمَّ تساءل عن مدي مساهمة العربية في تحقيق التنمية الشاملة في الوطن العربي، وحدد إطار البحث الماثل في العلاقة الجدلية والتلازمية بين التنمية واللغة. وقد استنتج الباحث في نهاية حديثه أن التنمية عندما تحمل بلغة ما فإنه يؤدي حتمًا إلي تفعيل هذه اللغة وتنميتها وتطويرها وجعلها لغة حية مواكبة للعصر والعكس في ذلك صحيح، فإن اللغة لا تستطيع أن تنمو وتتطور وتواكب الجديد وهي مغيَبة عن مجالات التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. كما ألقي الدكتور رائد جميل محمَّد عكاشة الأستاذ المشارك في قسم اللغة العربيَّة في جامعة الإسراء بالأردن كلمة حول "دور اللغة العربية في تشكيل الشخصيَّة والهويَّة والبناء المعرفي". وتحدث في ورقته حول »دور اللغة في تشكيل الشخصية الإنسانية عامة والعربية الإسلامية خاصة«، إذ يمثل الإسلام واللغة ركنين أساسيين في تشكيل الشخصية والهوية، وكلاهما متناسق مع الآخر، فاللغة العربية الوسيلة الأساسية لفهم الإسلام، وهي شرط أساسي لازم للتفقه في شريعته وإدراك مقاصده العليا، واستنباط الأحكام الفرعية العملية من أصوله. وفي ختام المؤتمر أوصي المشاركون حكومات الدول العربية كافةً بضرورة تفعيلِ ما تنص عليه أنظمتُها من أن اللغةَ العربية هي لغةُ الدولة، وما يقتضيه ذلك التفعيلُ من إلزامِ الجهات والمؤسسات الحكومية والمصارف والشركات والهيئات والجامعات العامة باعتماد اللغة العربية لغةً رئيسةً في مراسلاتِها وعقودها ووثائقِها وتعاملاتِها باعتبارها عنواناً للهوية؛ إذ أن ذلك يحتاج إلي قرار سياسيٍّ داعِم. وطالب المؤتمر الحكومات العربية بأن تتخذ قرار التعريب الشامل للعلوم التطبيقية والطبية، تأسياً باللغات العالمية الحية التي فرضت وجودَها ونقلت العلوم بلغاتِها، ونجحت في ذلك، كما يدعو إلي توحيد الجهود العربية في تعريب مصطلحات العلوم من خلال مركز متخصص في الترجمة والتعريب علي المستوي الوطني العربي وتعميم إصداراتِه علي الجهات المعنية بتعليم العلوم التطبيقية والمراكز البحثية في مجالاتِها. وبعث المؤتمرُ دعوته لقادة الفكر والرأي في العالم العربي إلي إنشاءِ منظمة دولية علمية للغة العربية، تسعي إلي دعم استخدام اللغة العربية الفصحي في الحياة اليومية للشارع العربي، وإلي رسم سياسات لغوية منهجية، كما دعا المؤتمر وزارات التربية والتعليم في الوطن العربي إلي الاهتمام التام بمعلمي اللغة العربية وحثِّهم علي التحدث باللغة العربية الفصحي في قاعات الدرس ومنع التحدث بالعاميات.وحث المؤتمر مجامع اللغة العربية واتحاد المجامع علي التمسك بما ورد في قرارات إنشائِها من متابعةِ الحالة اللغوية وإصدارِ تقاريرَ دوريةٍ بشأنِ التلوثِ اللغويِّ، وما يصيبُ اللغةَ من خللِ الألفاظِ والتراكيب وحذر المشاركون من انتشارِ العاميةِ في وسائلِ الإعلامِ، المسموعةِ والمرئيةِ والمقروءة، وأوصوا بالعملِ علي الحدِّ منها، والعملِ علي توحيدِ لغةِ الإعلامِ العربي، باستخدامِ الألفاظِ والتراكيبِ الفصيحة، مشددين علي خطر الدعواتِ المشبوهةِ الموجهةِ للتنظيرِ للعاميةِ والأخذِ بها نطقاً وكتابةً بغرضِ إحلالِها مكانَ الفصحي. واختتم المشاركون في المؤتمر توصياتهم بأمنية يتمنون أن تحققها الحكوماتِ العربيةِ والإسلامية ومن الموسرينَ من محبي لغةِ القرآنِ الكريم وهي أن يطلقوا قنواتٍ فضائيةً لتعليمِ اللغةِ العربيةِ وتقريبِها لجيلِ الشبابِ والناشئةِ وتوجيهِ برامجِها نحوَ انتقاءِ الموضوعاتِ التي تنمّي لدي الناشئةِ حصيلةً لغويةً فصيحة.