لست من هواة نظرية المؤامرة، ولامن محبيها، أو دراويشها، ولكن الأحداث كثيرا ما تدفعنا دفعاً إلي الإشارة لها، أو الاقتناع بها، كوسيلة وحيدة، لفهم أمور استعصت، أو فك لغز حارت فيه العقول، وكل المؤشرات تؤكد أن المرحلة القادمة، تتجه بالمنطقة إلي الحروب الطائفية، والمعارك المذهبية، بعد أن تراجع الصراع العربي الإسرائيلي من كل دوائر الاهتمام علي المستويين الرسمي، وهذا يمكن فهمه دون تقبله، وعلي المستوي الشعبي، وهنا مكمن الخطر الحقيقي، فاسرائيل تعيش أزهي عصورها، تنمو وتتمدد دون حسيب أو رقيب، والمطروح بدلا منه تلك المعارك المحتدمة، حول الشيعة والسنة، في إعادة إنتاج واستنساخ لأيام الفتنة الكبري في صدر الإسلام، وهو حريق لا يبقي ولا يذر، لن ينجو منه أحد، وهي صراعات المنتصر فيه مهزوم، ولعل استهداف مسجد للشيعة في القطيف بالمملكة العربية السعودية، وآخر في اليمن، وأثناء صلاة الجمعة السابقة، يمثل جبل الثلج الذي يخفي ما يخفي، لن نتوقف عن الأسباب، فهذا ليس موضوعنا، وعن التنظيم المتسبب فيه، فقد يكون قد أعلن عن مسئوليته، في تفاخر غير مسبوق، بعمليات إزهاق الأرواح المسلمة، وإن اختلفت معك في المذهب، أو الانتماء الطائفي، ولا علي الجهات المستفيدة من عمليات بهذا المستوي، وذلك التوجه، فهي عديد، وفي مقدمتها كل من إيران، التي تدعي حماية الشيعة، وتحمل لواء المظلومين في العالم. وأمريكا التي تسعي إلي إشاعة أجواء من حالة عدم الاستقرار في المنطقة، بشكل واضح وصريح. ولعل أحداث الحقب الزمنية الأربع في المنطقة، تؤكد أن العالم العربي يتعرض إلي مؤامرة، هي الأخطر في تاريخه، تم نسج خيوطها بعناية، والاتفاق علي خطواتها بدأب شديد، أركانها كل من إيران وأمريكا. المؤامرة قديمة، وبدأت مبكرا، وتورطت فيها أطراف عربية، ودول محورية بحسن نية، تحت شعار براق، وهو المشاركة في الحرب المقدسة ضد الشيوعية، وأين في أفغانستان ! فكانت كارثة المجاهدين العرب، والذين سرعان ما تحولوا إلي الأفغان العرب، وخرج من رحمهم تنظيم القاعدة، بعد أن ساهمت واشنطن بتدريبهم علي أعلي، وبأموال وأفراد عرب، الذي استهدف النظم العربية بعد ذلك، دون أي تهديد حقيقي لإسرائيل، وعندما استهدف المصالح الأمريكية، عرفت واشنطن كيف تستثمر ذلك لتحقيق مصالحها وأهدافها الكونية، وأصبحت بعد 11 سبتمبر القوة الوحيدة التي تقود العالم، وكان هذا الميلاد الأول للتطرف السني، بعدما انتشر كالهشيم في معظم الدول العربية، في استنساخ للتنظيم الأم، وأصبح له فروع، من ذلك القاعدة في اليمن والجزيرة العربية، وفي بلاد المغرب العربي، وعندما خف بريق القاعدة، وقلت قوتها، كان الميلاد الثاني، والإفراز الجديد للتطرف السني داعش، التي خرجت من رحم القاعدة، وهي أكثر خطرا وأشد تأثيرا، وتجاوزت فكرة التنظيم كما كانت عليه القاعدة، إلي إقامة أركان الدولة، مستغلة حالة الفوضي التي تعيشها سورياوالعراق، ونجحت في الاستيلاء إلي مساحات واسعة من البلدين ومازالت رغم التحالف الدولي تحقق نجاحات، بدليل ما يحدث في الأنبار وكذلك مدينة تدمر التاريخية، ويبدو التلكؤ الواضح من واشنطن، في العمل في إطار التحالف الدولي للقضاء علي داعش. وسار بالتوازي مع التطرف السني، تنامي قوة الشيعة، بعد أن نجحت الثورة ضد رجل الغرب في المنطقة، شاه إيران، ووصول الخميني إلي طهران، محمولا علي الأعناق من فرنسا، التي حمت وجوده ووفرت له كل إمكانيات العمل، وبحرية لإسقاط الشاه، وأصبح لهم دولة يتحكم فيها رجال الدين، تلتزم بولاية الفقيه، ولعبت كل الظروف والتطورات لصالحهم، خاصة بعد تنامي قوة حزب الله في لبنان، وهو التنظيم النموذج، والتي سعت طهران لنقله إلي دول أخري، ومناطق رخوة أو تشهد صراعات، وبعد الحلف الاستراتيجي مع نظام الأسد الأب ثم الابن، ومنها إلي العراق ما بعد صدام حسين، وأخيرا اليمن والعجيب في قضية اليمن، أننا لم نسمع طوال حروب الرئيس المخلوع علي عبد الله صالح الست، ضد الحوثيين والتي امتدت منذ عام 2004 وحتي 2009، أي تعليق لمجرد الرفض، أو إدانة علي سبيل الدعم المعنوي، من إيران ووكلائها المحليين في المنطقة، ضد صالح أو الحكومة اليمنية، ولكنها عندما دخلت ضمن المخطط الإيراني، تحول الأمر إلي اعتبار أن أمن اليمن من أمن إيران، وبدأت المساعدات العسكرية، والتحرش بالسعودية، التي اضطرت لمواجهة التهديدات التي تتعرض لها بالهلال الشيعي الذي يحاصرها، والدفاع عن أمنها بعملية عاصفة الحزم. ولعل مما يؤكد طبيعة المؤامرة، ومشاركة الطرفين الأمريكي والإيراني فيها، حرص واشنطن علي إعادة تأهيل النظام الإيراني، من خلال إتمام صفقة الاتفاق النووي الإيراني، وبعدها ستعيث طهران فسادا في المنطقة، وبرعاية من الراعي الأمريكي.