الثلاثاء 24 مارس الساعة السادسة وتسع دقائق ( لحظة ) أخري تاريخية في حياتي.. لحظة تم تسجيلها في وجداني اعتقد انها لن تزول ابداً.. وها أنا اسجلها لكم علي الورق.. أنا في ( لنش ) يسير بي مع آخرين في قناة السويس الحالية.. ثم ندخل في فتحة جانبية ( وكأنها يوتيرن ) نسير فيها دقائق معدودة لنصل إلي الفرع الجديد من قناة السويس.. نظرت إلي الساعة فوجدتها السادسة وتسع دقائق.. يتهادي بنا اللنش بين الكراكات العملاقة التي تعمل بلا توقف تقريبا علي مدار اليوم.. تسحب الرمال المبللة بالماء.. لتنقلها إلي انابيب عملاقة تلقي بها فيما يسمي أحواض الترسيب.. التي تحجز الرمال وتعيد المياه مرة أخري إلي مجري القناة.. منذ شهور قليلة.. وبالتحديد يوم الخامس من أغسطس الماضي.. حضرت ضمن مجموعة كبيرة من ممثلي الشعب المصري.. شبابا وسياسيين واعلاميين وسيدات وفتيات ومسئولين.. وعلماء.. بل وأطفالا ايضا.. حضرنا جميعا خطوة البداية.. توقيع الرئيس السيسي علي قرار بدء الحفر.. كانت الأرض أمامنا رمالا ممتدة.. وكان كل أملي في هذا اليوم ان اعيش لأري المياه تجري في القناة الجديدة.. لم اكن اتصور أن هذا اليوم سيأتي بهذه السرعة.. كانت مناسبة زيارتي للمكان مرة أخري.. هي دعوة من وزارة الشباب للحضور إلي هنا لرؤية آخر التطورات في حفر القناة.. وفي حضور وزير الشباب والرياضة خالد عبدالعزيز.. وكذلك في حضور ألف فتاة مصرية جئن من جميع انحاء مصر.. من الصعيد والنوبة ووجه بحري وسيناء ومدن القناة ألف فتاة يحضرن إلي هذا المكان العظيم ليروين لأبنائهن في قادم الايام.. انهن حضرن وانفعلن وغنين.. وشعرن بالفخر.. وكذلك بالغيرة كما قالت احداهن لأنهن لم يشاركن في حفر القناة !! بعد أن انتهي بصوته الواثق اللواء كامل الوزير المشرف علي الموقع من قبل القوات المسلحة من شرح الخطوات التي تمت حتي الآن.. وفي خلفيته القناة الجديدة.. وبجواره خريطة لكل ماحدث وخريطة لمدينة الاسماعيلية الجديدة.. وجدتني اطلب منه ان يفسحوا للثقافة والفن مكانا مميزاً في تلك المدينة وان يهتموا بالبعد الجمالي في بنائها.. طلبت ألا يكتفي بناة المدينة الجديدة بالمنزل والمدرسة والمستشفي والنادي والجامع والكنيسة فقط.. بل يلتفتون ايضا إلي ضرورة وجود المكتبة العامة والمسرح ودور العرض السينمائي.. ودار الاوبرا لو أمكن !! وعدني اللواء كامل خيراً.. وبعدها ذهبنا لنحضر عرضا شيقا من الفريق مهاب مميش رئيس هيئة قناة السويس عن التحديات التي واجهت هذه المهمة الكبري وكيف امكن التغلب عليها.. حديث الفريق مهاب كان حديثا بسيطا ومؤثراً إلي أقصي حد.. ولكنه ايضا كان مقدمة ضرورية.. للمشهد المبدع الذي وجدت نفسي جزءاً منه.. والذي بدأت به هذا الكلام.. مشهد اللنش الذي كنت استقله مع وزير الشباب والفريق مهاب مميش واللواء اركان حرب يس حسام الدين طاهر محافظ الاسماعيلية.. وكذلك الدكتورة المتألقة منال عمر والباحثة العسكرية أميرة فكري.. وآخرون تجمع بينهم صفة المصرية الخالصة والتفاني في حب هذا الوطن.. كنت اشعر انني أطير فرحاً.. وانا اقوم بتلك « الجولة التاريخية « بالنسبة لي.. ألمس بنفسي هذا الواقع الذي كان حلما مصريا.. فتم تصميمه وتنفيذه وتمويله بجهد المصريين وأموالهم وتذكرت وانا علي هذا اللنش ملحمة بناء السد العالي.. واستحضرت هذا التلاحم الرائع بين الشعب المصري وقواته المسلحة اثناء بناء حائط الصواريخ.. واستحضرت دماء الشهداء التي سالت دفاعا عن مصر وعن سيناء وعن القناة في حروب 56 و67 و73 وقبل كل هذا استحضرت مشهد الرجال الذين حفروا بأيديهم وفؤوسهم أعظم قناة في التاريخ ومات منهم عشرات الألوف.. وهم يترنمون بموال الألم.. - ياعزيز عيني انا بدي اروّح بلدي - بلدي يا بلدي والسخرة خدت ولدي علي هذا اللنش ايضا اتفقت مع الفريق مهاب مميش بتحريض من الدكتورة منال عمر علي تسجيل قصته مع هذا الانجاز حتي لا تضيع تفاصيله الكبيرة والصغيرة التي تصلح لدراما متميزة تليق بهذا الانجاز لم تنته مفاجآت اليوم عند هذا الحد.. ولكنني كنت مدعوا ايضا إلي زيارة بيت ديلسبس في الاسماعيلية فتجولنا بين ارجائه ودخلنا غرفة نومه وشاهدنا متعلقاته الشخصية وشاهدنا نسخة اثرية من كتاب وصف مصر بل وشاهدنا ( لوحة الكانفاه ) التي ارسلتها له زوجته وقد كتبت عليها الحروف الاولي من اسمه بمناسبة افتتاح قناة السويس. قال لي محافظ الاسماعيلية ان هذا المنزل يستحق ان يأتيه السياح من جميع انحاء العالم بالطائرات الشارتر.. فقلت له اتمني ان تكون هذه واحدة من اهم اولوياتك ياسيادة المحافظ وخلال العشاء.. قبل ان نعود إلي القاهرة دارت أحاديث كثيرة شاركنا فيها الصديق المخرج مجدي الهواري.. كانت كلها تتلمس طرق البحث عن مسارات خروج مصر من سجن الاحباط.. إلي براح الامل من خلال تلك المشاريع العملاقة التي نسعي إلي تحقيقها علي أرضنا الطيبة..