لكن الرئيس السيسي وحده كان يتوقع ويحلم بما بدا مستحيلا، حلم الرئيس باستثمارات تفوق المئة مليار دولار للسنوات القليلة المقبلة، وتحقق حلم الرئيس بأكثر مما توقع هو شخصيا خذل مؤتمر شرم الشيخ توقعات المتشائمين والمتربصين، وحقق نجاحا سياسيا باهرا بمجرد انعقاده بالحشد العربي والدولي غير المسبوق، وحقق نجاحا اقتصاديا كاسحا فاق توقعات أشد المتفائلين، وجلب استثمارات عربية وأجنبية زادت عن المئة مليار دولار، فضلا عن مساعدات وودائع وقروض ميسرة وتسهيلات مالية جديدة وصلت إلي 16 مليار دولار. ولم يكن كاتب السطور يتوقع سوي تحقيق نجاح اقتصادي متوسط، والحكومة نفسها لم تكن تتوقع استثمارات خارجية بأكثر من 15 مليار دولار، لكن الرئيس السيسي وحده كان يتوقع ويحلم بما بدا مستحيلا، حلم الرئيس باستثمارات تفوق المئة مليار دولار للسنوات القليلة المقبلة، وتحقق حلم الرئيس بأكثر مما توقع هو شخصيا، وتدفقت الاستثمارات كموج البحر، تضيف موارد فياضة لهدف إنهاض وانطلاق الاقتصاد، وتحول مصر إلي قطب جاذب للاستثمارات بأكثر من أي وقت مضي، وتعد بتحقيق معدلات نمو سنوي عالية، تفوق الستة أوالسبعة بالمئة التي يخطط لها الرئيس. وقد نختلف مع بعض اختيارات الرئيس السيسي في الداخل المصري، وفي مجالات الاقتصاد والسياسة بالذات، قد نستبطئ خطاه في تصفية تحالف البيروقراطية الفاسدة مع مليارديرات المال الحرام، وقد نعجب لتركه ترزية "العك القانوني" يعبثون كما يشاءون، ويشوهون مسارات التقدم إلي ديمقراطية وبرلمان يستحق الوصف، وقد لا تكفي الخطوات المتخذة حتي الآن لتفكيك الاحتقان السياسي، واستمرار احتجاز مئات وآلاف من الشباب غير المتهمين في حوادث عنف وإرهاب مباشر، قد نختلف مع الرئيس في ذلك كله، وفي غيره من إجراءات عنت اقتصادي، تزيد مصاعب الحياة لغالبية المصريين، ولا تراعي اعتبارات العدالة، وتزيد الأعباء علي كاهل الفقراء والطبقات الوسطي، بينما تنجو القلة المترفة، وتتأخر مواعيد تصفية الحساب معها، وتحتفظ بتريليوناتها المنهوبة، ودون استثمار حقيقي جاد، يوسع الطاقة الانتاجية ويخلق فرص العمل، بل تواصل "استحمار" البلد، واستنزاف الثروة الوطنية، واستفزاز الجائعين إلي الكرامة والعدل والحرية. نعم، نختلف مع اختيارات حكم راهنة، ونثق أن الرئيس السيسي لن يتوقف عندها، وسوف يتجاوزها بحسه الوطني والاجتماعي الفريد، ويشفع طريقه إلي الإنجاز بانحياز أوسع لغالبية المصريين المعانين، ويصوغ اختيارات داخلية تعادل في امتيازها سياسته الخارجية المتفوقة، فلا أحد عاقل ينكر نجاح السيسي، والذي استطاع في وقت قياسي تغيير صورة وبيئة مصر، وبناء دوائر دعم دولي وإقليمي وعربي لمصر الجديدة، جعلت "عزلة مصر" شيئا من الماضي البغيض، وأنهت تحكم واشنطن في القرار المصري، ووسعت من خيارات انفتاحنا علي العالم الناهض الفوار بالمتغيرات، وطورت شراكات استراتيجية مؤثرة مع روسيا والصين ودول نافذة في الاتحاد الأوروبي، وقد كان لافتا أن "مؤتمر شرم الشيخ" سبقته زيارة بوتين الناجحة إلي القاهرة، وتعقبه زيارة الرئيس الصيني، وبما يفتح أمام مصر سبلا للتقدم، ظلت مغلقه لعقود، ويعاد فتحها لأول مرة منذ نهاية حرب أكتوبر 1973، وتستأنف بها مصر نهوضها الذي قطعوا طريقه، وتزود جيشها القوي بأحدث الأسلحة في الدنيا كلها، وتكسر احتكار أمريكا لتوريد السلاح، وتطور صناعة سلاح ذاتية مقتدرة، وتبني تكامل صناعاتها الحربية مع صناعاتها المدنية، وتجدد قلاعها الصناعية التي جري تجريفها، وتحيي مشروعها النووي السلمي المعطل منذ أربعين سنة، وتقيم محطات الطاقة النووية، وتولي اهتماما مكثفا بأولوية توفير الطاقة من كافة مصادرها الطبيعية والمتجددة، فلا إمكانية لتصنيع شامل بدون موارد طاقة هائلة، وهو ما يفسر أولوية مشروعات الطاقة في عروض شرم الشيخ، وفي الاستثمارات الكبري التي جري جلبها، وجنبا إلي جنب مع قفزات البنية التحتية وشبكات الطرق والمدن المليونية الكبري، وفي وقت واحد مع مشروع قناة السويس الإعجازي وخطط استصلاح أربعة ملايين فدان جديدة، والتي تتم علي مراحل بالقدرات الذاتية والاكتتاب الشعبي العام، وبما يحول مصر إلي ورشة عمل لاتكل ولا تمل، توظف الملايين من قوة عاطلة في مصر تصل إلي 12 مليون مواطن. والصورة في مجملها توحي باختيار جوهري للسيسي، وبمشروع للنهوض ينسب إلي الرجل، يتصف بقفزات متلاحقة، ويؤسس لثنائية بازغة من نوع مختلف، ثنائية الاستثمارات الأجنبية مع رأسمالية دولة جديدة، فأغلب التعاقدات في مؤتمر شرم الشيخ، كانت الدولة طرفا مباشرا فيها، وأغلب المشروعات الكبري يجري تنفيذها بإشراف هيئات الجيش، وبدور بارز لجهاز الخدمة الوطنية والهيئة الهندسية للقوات المسلحة بالذات، والتي تتجاوب في إيقاع عملها مع إيقاع الرئيس السريع جدا، ومع معادلته الذهبية التي يكرر ذكر عناصرها دائما، وهي الإنجاز في أقصر وقت وبأفضل جودة مع أقل تكلفة، وهو ما بدت علاماته ظاهرة ملهمة في الإنجاز المعجز لمشروع قناة السويس وشبكات الطرق الجديدة، وفي توظيف هيئات الجيش المعنية لألف شركة مدنية ومليون مهندس وفني وعامل مدني، وبما يبرز الدور المتفوق لرأسمالية دولة جديدة، قد يصح أن نسميها "رأسمالية الجيش"، والتي تدفع "رأسمالية المحاسيب" الطفيلية الموروثة إلي الهامش، وتجلب الاستثمارات الأجنبية إلي مشروعات مختارة بعناية، تضيف إلي الطاقة الإنتاجية، ويتوافر لها شريك مصري جاد ومقتدر، وفي إيحاء ظاهر بمثال صيني آخر علي ضفاف النيل، يجمع فوائض الاستثمارات الأجنبية إلي طاقة وتخطيط الدولة ودورها القيادي، وبملامح مصرية تصوغها شخصية الرئيس السيسي، والذي يشبه في دوره حالة فلاديمير بوتين في تجربة النهوض الروسي. القصة إذن أبعد من مجرد جلب استثمارات خارجية، وحتي لو أمطرت بمئات المليارات من الدولارات، وقد تدفقت علي مصر مئات المليارات بعد حرب أكتوبر 1973، ولم تؤد إلي نهوض، بل إلي انحطاط تاريخي قامت عليه الثورة، وإلي تجريف الأصول وتدمير إنتاجية الاقتصاد، وهو ما قد يصح أن نفعل عكسه بالضبط الآن، أي أن نضيف أصولا وطاقة إنتاج جبارة، وهو ما تأمله مصر الجديدة مع مشروع الرئيس السيسي.