كلما مررت بميدان السيدة زينب -رضي الله عنها- ولاحت القبة التي تغطي الضريح طاف بذهني دخولها مصر من عند العريش في موكب مع من بقي من آل البيت، موكب حزين، وليس فيه من رجال آل البيت سوي صبي هو علي زين العابدين ابن الحسين والذي افلت لصغر سنه من مذبحة كربلاء. وقد وصف المؤرخون الموكب بأنه قوبل بالتكبيرات والزغاريد وقالوا إن السيدة زينب رغم حزنها فقد كان وجهها كالقمر المنير وكانت تحتفظ فيما اتت به معها بأثمن ما حملت.. جاءت برأس الحسين في قدر مغطي بالدهن وكان يزيد بن معاوية الذي عرف بجنونه حينما استدعي آل البيت إلي قصره طلب رؤية رأس الحسين فوضعوها امامه فإذا به يعبث في الفم الكريم لرأس الحسين بعصا من الحديد فقالت له السيدة زينب بكل شجاعة كاتمة حزنها في صدرها: - أتعبث في الفم الذي كان الرسول يلثمه. فارتعد يزيد وسحب العصا واخذت السيدة زينب الرأس الشريف وحفظته كما كان في الوعاء الذي خصصته له.. وكانت المقابلة غاية في الاهمية وقد كتب عنها المؤرخون ان السيدة زينب رغم المأساة التي عايشتها إلا انها كانت شديدة الشجاعة رابطة الجأش وحولها بقية آل البيت من الصبيان والبنات ووقفت في شجاعة منقطعة النظير امام يزيد بن معاوية والذي طلب منها ان تترك الشام إلي مكان آخر فاختارت ان تأتي إلي مصر. وكان مجيئها كأنه عيد لأهل مصر فقد قابلها المصريون عند دخولها من عند العريش بالتكبيرات والزغاريد وكانت تستريح كل فترة حتي وصلت القاهرة وكان حاكم المدينة قد هب لاستقبالها وترك لها قصره والذي عاشت فيه وتحول بعد موتها بعد دفنها فيه إلي مسجدها المعروف بالحي الذي عرف باسمها. ان السيدة زينب رضي الله عنها بارك الله بها مصر وقد اختارت مصر من دون بلاد المسلمين وكأنها كانت تعلم حب المصريين لآل البيت. وقد ظل بيتها مفتوحا لكل المصريين المريدين لآل البيت من جميع انحاء مصر ومازال مولدها رضي الله عنها موعد لقاء لكل المصريين من اول اسوان إلي الاسكندرية مرورا بكل المحافظات وبكل القري. وقد ظلت السيدة زينب رضي الله عنها ترعي سيدنا علي زين العابدين بن الحسين وجلبت له الاساتذة الذين تهافتوا للتدريس له وجعلت له مجلسا خاصا للذكر وقد حدثت قصة عند دفن الرأس الشريف للحسين ان تجاذب المشايخ فيما بينهم الرغبة في دفن الرأس الشريف في بلده وتركت السيدة زينب لهم التشاور ولكن والي مصر حسم الامر بالتصميم علي دفن الرأس الشريف في مكانه في ضريحه المعروف في الحي الذي عرف باسمه وكان يوم دفن الرأس الشريف يوما مشهودا.. وجاء اليه الناس زاحفين من كل انحاء مصر وظل ذكر الله وقراءة القرآن يملأ المكان لاربعين ليلة وكان بعض الناس يبكون ويشقون الجيوب ولكن السيدة زينب امرت النساء باطلاق الزغاريد والمدائح وطلبت من الشيوخ قراءة الرباعية العظيمة من القرآن الكريم سور تبارك والواقعة والرحمن ويس ومازال هذا التقليد حتي الان في مولد الحسين رضي الله عنه وارضاه حيث يرتفع صوت المقرئين بالرباعية المباركة من القرآن الكريم.. الفاتحة للسيدة العظيمة السيدة زينب بنت الحسين وآل البيت الذين بارك الله بهم مصر.