ونجحت في إخراج أول سجينة فقر بسبب الديون المالية الصغيرة، ولم تكن تعلم أن هؤلاء السجينات هن مايطلق عليهن مسمي الغارمات الذي عُرف وانتشر فيما بعد حين يمتزج العمل الصحفي بالعمل الإنساني يصبح الصحفي قريباً من الناس، يشعر بهم، بمشاكلهم، بأحاسيسهم، وقد تعلمنا في مدرسة الراحلين الكبيرين علي ومصطفي أمين أن الصحفي الجيد هو الذي يقترب ويعيش بين الناس، هو همزة الوصل بين الشعب والمسئولين وأنه لا تستر علي مسئول، وقد اهتمت دار أخبار اليوم منذ نشأتها بالفقراء والمهمشين تتبني قضاياهم وتفتح أبواب الأمل أمامهم وأقامت العديد من المشاريع الإنسانية، وهو ما تفردت به مدرسة أخبار اليوم منذ نشأتها، ومن بين زميلاتنا اللاتي شربن وترعرعن في هذه المدرسة، الكاتبة الصحفية نوال مصطفي، التي كانت بداياتها مثل معظم الصحفيين الذين عملوا بالمؤسسة، إضافة للعمل الصحفي، الإقتراب من الناس من خلال أبواب ليلة القدر وأسبوع الشفاء ونفسي ولست وحدك وغيرها من الأبواب الإنسانية، ولكن نوال مصطفي تفردت بإنشاء دار لرعاية أبناء السجينات، ولهذا قصة، ففي عام 1990 فاجأتنا نوال بعدة تحقيقات من داخل السجون المصرية، ولكنها اكتشفت وجود الكثير من الأطفال الصغار من أبناء السجينات يعيشون معهن، ويموت الكثيرون منهم بسبب نقص الألبان أو المرض لعدم قيدهم أو وجود كشوف لهم بالسجون، هذا غير افتقاد البراءة والحياة بطريقة طبيعية، وفرضت الفكرة نفسها عليها، أنشأت جمعية لرعاية أبناء السجينات، تقدم لهم المساعدات الصحية والاجتماعية والتعليمية حتي خروج أمهاتهم من السجن، منذ تلك اللحظة تغيرت حياة زميلتنا نوال مصطفي وأصبحت أكثر تفرداً في الكتابة والعمل الإنساني. منذ أيام دعتني نوال لحضور ندوة «منتدي السجن موش وصمة»، وقبلها بأسبوعين كانت الدعوة لمؤتمر «حياة جديدة» لتمكين السجينات اقتصاديا وحمايتهن من الفقر.. ما تمضيش..لا للتوقيع علي بياض، وهو أحد روافد مشروع حياة جديدة لإعادة دمج وتأهيل السجينات الفقيرات وأطفالهن في المجتمع، بالإضافة إلي تمكينهن اقتصادياً عن طريق تعليمهن وتدريبهن علي حرف مختلفة مثل الخياطة والتطريز، وإيجاد فرص عمل لهن، وكانت نوال قد أطلقت في عام 2007 المشروع الرائد للجمعية " سجينات الفقر "، ومن خلاله تم إطلاق سراح مايقرب من مائة وخمسين سجينة فقر، وهن اللائي يوقعن علي بياض، شيكات أو إيصالات أمانة، لأجهزة كهربائية أو أثاث منزلي لتزويج بناتهن، مما يعرضهن لابتزاز التجار ويصل بهن الأمر للسجن لسنوات طويلة يتشرد فيها الأبناء، وكانت نوال مصطفي أول من سلط الضوء علي هذه المشكلة من خلال سلسلة مقالاتها بالأخبار عندما كشفت عن وجود سجينات نتيجة لعجزهن عن تسديد ديون بسيطة ونجحت في إخراج أول سجينة فقر بسبب الديون المالية الصغيرة، ولم تكن تعلم أن هؤلاء السجينات هن مايطلق عليهن مسمي الغارمات الذي عُرف وانتشر فيما بعد، فهي ومازالت سعيدة بإطلاق مسمي سجينات الفقرعليهن. لقد فاجأتني نوال مصطفي خلال حضوري ندوة " السجن موش وصمة " بأنها تعمل في صمت بدون دعاية أو إعلانات فموارد الجمعية قليلة رغم مرور 24 عاماً علي إنشائها، وفاجأتنا مؤخراًبافتتاح ورشة " حياة جديدة " داخل سجن النساء لتدريب وتعليم وتشغيل السجينات علي الحرف المختلفة لتأهيلهن وتمكينهن من العمل والحياة الكريمة بعد الإفراج عنهن، وهو المشروع الذي تعمل الآن علي تحويله إلي مشروع قومي تتبناه المؤسسات الحكومية لحماية المرأة من الأخطار المجتمعية، ولكنه يحتاج إلي الكثير من الدعم المالي والمعنوي، ونوال مصطفي وفريق العاملين معها بالجمعية الذين شاهدتهم يعملون في دأب وصمت قادرون علي تحقيق هذا الحلم الذي اقترب من تحقيقه، تحية لهم جميعا.