ايا كانت نتيجة الانتخابات البرلمانية التي اجريت في تونس امس فإن تلك الانتخابات تعد خطوة هامة في عملية الانتقال الديمقراطي في مهد الربيع العربي. بالمعايير الديمقراطية ورغم بعض الاخطاء التي وقعت في تلك الانتخابات من تجاذبات وعراك ومؤامرات وأكاذيب واتهامات وتوترات ودخول المال الفاسد والفاسدين من نظام بن علي فان الكثيرمن المراقبون يرون في التجربة التونسية أملا مقارنة بالاوضاع السياسية في العديد من دول المنطقة خاصة بعد ان أصبحت التعددية الحزبية والتنافس السياسي جزءا من الحياة اليومية في تونس. فهي تعد أول انتخابات برلمانية حرة انطلاقا من الدستور الجديد الذي تمت المصادقة عليه في يناير الماضي وخطوة إضافية في المرحلة الانتقالية في تونس.والتي ستكتمل بإجراءالانتخابات الرئاسية في الشهر القادم. ورغم ان الانتخابات اجريت وسط مخاوف من أن تؤثر تداعيات الحرب الأهلية في ليبيا سلبا علي استقرار العملية الانتقالية الهادئة في تونس. ومخاوف اخري من أن يتسبب الجهاديون التونسيون العائدون من الحرب في سوريا في التأثير علي الانتخابات او حدوث اضطرابات هناك.. مع ذلك تقدمت لخوض الانتخابات1300 قائمة في 33 دائرة انتخابية لاختيار 217 نائبا، ثلثها تقريبا لمرشحين مستقلين والبقية لقوائم تنتمي لأكثر من 40 حزبا أو تحالفا انتخابيا. وتم في هذه المرة ايضا مراعاة مبدأ التناصف بين الجنسين في القوائم الانتخابية – مثلما كان الحال في أول انتخابات حرة لانتخاب المجلس الوطني التأسيسي «البرلمان». والذي سيتعين عليه أن يركز اهتمامه علي تشكيل حكومة جديدة واصدار تشريعات عاجلة لتنفيذ حزمة من الإصلاحات الاجتماعية والاقتصادية. شهدت الانتخابات حملات انتخابية ساخنة لمختلف الأحزاب لكسب أصوات التونسيين. ، كانت تونس قد شهدت عقب ثورة يناير عام 2011 أول انتخابات حرة لانتخاب المجلس الوطني التأسيسي في أكتوبر عام 2011 ووتمت المصادقة علي دستور جديد للبلاد في يناير الماضي. تسير التوقعات في اتجاه ان يتقاسم حزبي تونس وحركة النهضة جزء كبير من مقاعد البرلمان يقترب من الثلثين بينما تعود بقية المقاعد الي عدد كبير من الاحزاب الصغيرة التي سيتعين التفاوض معها من اجل تشكيل الحكومة.. وتستفيد الاحزاب الصغيرة من النظام النسبي واعلنت القوي السياسية الكبري انها لن تستطيع ان تحكم بمفردها واكدت حركة النهضة انها تريد تشكيل حكومة وفاق او تحالف مع نداء تونس اذا اقتضي الامر تنافست أحزاب مختلفة في الانتخابات التشريعية التي شهدتها تونس، منها ذو التوجه الإسلامي مثل حركة النهضة أو ليبرالي مثل حزب «نداء تونس»، أو تحالف يساري قومي مثل»الجبهة الشعبية» بالاضافة الي عدد كبير من الاحزاب الصغيرة وتتشكل الخريطة السياسية علي هذا النحو: حركة النهضة الاسلامية وتعد أحد المكونات الأساسية في المشهد السياسي بتونس والأكبر في البلاد قياسا إلي فوزها الكبير في انتخابات المجلس الوطني التأسيسي عام 2011 وحصولها علي 89 مقعدا تسعي إلي تكرارفوزها والحصول علي الأغلبية بمجلس النواب الجديد علي الرغم من تجربتها المتعثرة في الحكم بين 2011 و2013، والتي انتهت بخروجها من السلطة لحساب حكومة غيرحزبية عقب الاضطرابات التي أعقبت اغتيال اثنين من العارضين العام الماضي. كانت الحركة قد تأسست منذ 1981 ودخلت في صدام مع نظام الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة، الذي لاحق قياديي الحزب وحكم علي عدد منهم بالسجن من بينهم رئيس الحركة راشد الغنوشي، وتم الافراج عن قياديي الحزب مع صعود الرئيس السابق زين العابدين بن علي إلي الحكم في 1987. واستأنفوا النشاط السياسي بالمشاركة في انتخابات 1989 لكن سرعان ما دخلوا في صدام مع بن علي الذي كرس حكم الحزب الواحد. بعد الثورة عام 2011 تقدمت حركة النهضة الإسلامية الي الصورةمن خلال انتخابات المجلس الوطني التأسيسي عام 2011 وأصبح حزب النهضة أكبر قوة سياسية في البلد، وحصل علي أصوات كثيرة في تلك الانتخابات، لكن سريعا ما اتضح لحزب النهضة أن تحمل مسؤولية الحكومة يساهم في إضعاف صورتهم، كما ساهمت هجمات متطرفين علي السفارة الأمريكية في سبتمبر 2012 ثم اغتيال إثنين من المعارضين في فبراير ويوليو 2013 في إدخال الائتلاف الحكومي في متاهات النزاعات. وبعد مفاوضات علي مدي شهور طويلة أعلن حزب النهضة عن تخليه عن منصب رئيس الحكومة واستقال رئيس الوزراء، وهو ما تم اعتباره خطوة ذكية، كما اتضح لاحقا. ساهمت في تحسين سمعة الحزب الذي استقطب خلال التجمعات آلاف المؤيدين، وقد اكدت الحركة انها تساند تشكيل حكومة وحدة وطنية بعد الانتخابات مهما كانت الأطراف المشاركة فيها وتعتبر التوافق الخيار الأمثل لإدارة المرحلة المقبلة للديمقراطية الناشئة. وكانت تونس قد شهدت العام الماضي أزمة سياسية حادة إثر اغتيال اثنين من قادة المعارضة،هما شكري بلعيد ومحمد البراهمي، وقتل عناصر من الجيش والأمن في هجمات نسبتها السلطات إلي جماعة أنصار الشريعة بتونس وكما تلاحق السلطات التونسية منذ 2012 علي الحدود مع الجزائر مجموعات مسلحة متهمة بالضلوع في عمليات إرهابية أسفرت عن مقتل أمنيين وعسكريين. الحزب الثاني هو حزب «نداء تونس» المنافس القوي لحركة النهضة والذي تأسس في يونيو عام 2012 ويراسه باجي قايد السبسي87 عاما رئيس الوزراء الأسبق ويسعي في الوقت نفسه أن يصبح رئيسا لتونس، ويتكون الحزب من قوي سياسية كثيرة تجمع بين شرائح يسارية وشخصيات سابقة في حزب الرئيس السابق بن علي. غير أن عددا كبيرا من الناخبين يرفضون عودة هؤلاء إلي الساحة السياسية في تونس لانهم يذكرونهم بعهد الديكتاتور بن علي ومع ذلك يحتل منذ عدة أشهر المركز الأول في استطلاعات الرأي بالنسبة لنوايا التصويت في التشريعية والرئاسية وستكون الانتخابات التشريعية بمثابة الاختبار الأول للوقوف علي حجم تأثيره في الشارع. لعب الحزب دورا مهما في الضغط علي التحالف الحكومي بقيادة حركة النهضة لدفعها إلي التنازل عن الحكم لصالح حكومة غير حزبية تتولي الإشراف بشكل مستقل علي باقي المرحلة الانتخابية. خلال الأزمة السياسية التي عصفت بالبلاد ثالث القوي السياسية البارزة علي الساحة التونسية هي «الجبهة الشعبية»، والتي تضم ائتلافا انتخابيا يتشكل من 12 حزبا ذات اتجاهات يسارية وقومية وقد تأسست الجبهة في أكتوبر 2012 بهدف تجميع القوي اليسارية المشتتة ضد هيمنة التيار الإسلامي عقب انتخابات 2011 التي شكلت انتكاسة كبري لليساريين لعبت الجبهة دورارئيسيا في الاحتجاجات التي انطلقت في الشوارع عقب اغتيال اثنين من المعارضين، ومارست ضغوطا أدت إلي تنحي حكومة حمادي الجبالي الأمين العام السابق لحركة النهضة وتتطلع أحزاب أخري إلي أن تكون قريبة من المراكز الأولي من خلال الدخول في تحالفات للصعود إلي الحكم عقب الانتخابات. من بين هذه الأحزاب، الحزب الجمهوري الذي أسسه احمد نجيب الشابي المرشح في الانتخابات الرئاسية ايضا الذي يعتمد علي تاريخه النضالي ضد نظام بن علي. كما تسعي أحزاب التحالف الديمقراطي والاتحاد من أجل تونس (ائتلاف انتخابي) والتكتل من أجل العمل والحريات الذي يرأسه مصطفي بن جعفر رئيس المجلس التأسيسي السابق، إلي التواجد ضمن المراكز الأولي في الانتخابات التشريعية. وتعرف هذه الأحزاب نفسها بالوسطية وتدافع ضمن برامجها الانتخابية عن مشروع الدولة المدنية والنظام الجمهوري. كما يسعي حزب المؤتمر من أجل الجمهورية الذي الذي يتزعمه الرئيس المؤقت المنصف المرزوقي إلي تكرار مفاجأة انتخابات 2011، عندما حل ثانيا وفاز ب29 مقعدا بالمجلس التأسيسي تماما مثل حزب تيار المحبة الذي جاء ثالثا ب26 مقعدا، ستكون هذه الانتخابات فرصة قوية امام الاحزاب التونسية الصغيرة من أجل إثبات ذاتها في المشهد السياسي عبر كتلة نيابية قوية داخل البرلمان الجديد ووضع حد للتحليلات الشائعة بأنها أحزاب معارضة فقط ولا تصلح للحكم.