لقد خلقنا الله أحراراً.. ولن نضار بسبب مؤهل آبائنا وأمهاتنا.. فهم مصدر فخرنا وسعدنا الثلاثاء الماضي 9 سبتمبر عيد الفلاح.. هذا التاريخ الذي يرتبط بالحرية والكرامة، عندما وقف الضابط أحمد عرابي، إبن الفلاح في وجه الخديوي يدافع عن حقوق الشعب ويرفع الظلم عنه.. أحمد عرابي ولد في 31 مارس 1841 بقرية هرية رزنة بمحافظة الشرقية.. أحمد عرابي الفلاح ابن الفلاح التحق بالمدرسة الحربية.. وتخرج منها وترقي في الجيش حتي أصبح أميرلاي (عميد) في سن العشرين.. ويعتبر عرابي أحد المصريين القلائل الذين وصلوا إلي هذه الرتبة، رغم عصر الظلم والتمييز الذي كان يُمارس علي الشعب، حيث كان الانحياز إلي الضباط الشركس والأتراك.. في عصر 9 سبتمبر عام 1881 وقف عرابي وحوله آلاف المصريين أمام قصر عابدين وسلم الخديو توفيق مجموعة من المطالب تتلخص في عزل رياض باشا رئيس مجلس النظار، ووضع دستور للبلاد.. يأتي هذا علي خلفية لجوء رياض باشا ناظر النظار (رئيس الوزراء) إلي أساليب الشدة والعنف مع المواطنين المصريين ومعارضة تشكيل مجلس شوري نواب.. رد الخديوي : كل هذه المطالب لا حق لكم فيها، وأنا ورثت ملك هذه البلاد عن آبائي وأجدادي وما أنتم إلا عبيد إحساناتنا، فصرخ عرابي في وجه الخديوي : لقد خلقنا الله أحراراً، ولم يخلقنا تراثا أو عقارا، فوالله الذي لا إله إلا هو لن نورث ولن نستعبد بعد اليوم.. حدث هذا في القرن ال 18 في عصر العبودية.. ابن الفلاح يلتحق بالمدرسة الحربية، ويتخرج منها.. ويقف في وجه الخديوي يعلن حرية الشعب.. أما الآن وفي القرن ال 21 لم يكن متصورا أن نعود إلي عصر الظلم والعبودية.. لكن هذا حدث.. مجلس القضاء الأعلي رفض تعيين المتفوقين من الحاصلين علي تقدير امتياز وجيد جدا في السلك القضائي، لسبب لا دخل لهم فيه، لأن آباءهم فلاحون، أو أن أمهاتهم غير حاصلات علي مؤهل عال.. لقد هالني هذا السبب الذي أكده لي عدد من المستبعدين عندما التقيت بهم صدفة.. قالوا والحسرة والألم يملآن قلوبهم والدموع في أعينهم: نحن أوائل الخريجين من كليات الحقوق والشريعة والقانون، تم استبعادنا من تعيينات النيابة العامة دفعة 2010/2011 ونحن حاصلون علي تقدير امتياز وجيد جيدا وعددنا 138 خريجا.. قالوا إن النيابة العامة أعلنت عن قبول تعيين دفعة في وظيفة معاون نيابة، وتقدمنا للمسابقة واستوفينا جميع التحريات والمقابلات والإجراءات، ووافق المجلس الأعلي للقضاء بجلسة 24 يونيو 2013 علي تعييننا وأُدرجت أسماؤنا ضمن الأسماء التي تضمنها الكشف المرسل إلي وزير العدل والموقع من المستشارين أعضاء مجلس القضاء الأعلي ورئيسه.. وقبل أن يصدر قرار جمهوري بالتعيينات، فوجئنا باستبعادنا من الكشف، وعندما استفسرنا عن السبب، قيل لنا إن أبائنا غير حاصلين علي مؤهلات عليا!!.. وتعجب المستبعدون من هذا الشرط المجحف الظالم الصادر ممن يحملون صفة العدل، وتساءلوا: هل من العدل أن نعاقب بسبب أبائنا؟.. أم لهم ولنا الفخر أنهم غير حاملين لمؤهلات عليا وحققوا فينا ما افتقدوه وعلمونا وأحسنوا تعليمنا حتي أصبحنا متفوقين؟.. إن من الظلم أن يُضار مولود بسبب والده.. إن ما يعيب آباءنا وأمهاتنا من وجهة نظر المجلس الأعلي للقضاء، سبب فخرنا وسعادتنا.. لأنهم لم يرتكبوا جرما، بل هم فوق رؤوسنا لأنهم واصلوا واجتهدوا معنا.. إن هذا الشرط وإن كان جائزا في عصر العبودية، إلا أنه من غير المقبول تماما منطقا وقانونا ودستورا بعد 3 ثورات شهدتها مصر كلها تطالب بالعدالة والكرامة.. فكم من قاض والده فلاح.. وهذا هو عرابي ابن الفلاح، التحق بالمدرسة الحربية في ظل عصر العبودية والظلم.. فهل نستعبد ونحن في عصر الحرية؟!.. العدل هو الحل.