حين ينوي أحد ما من المهتمين بحقوق الإنسان أو الناشطين الصحفيين في هذا المجال في الدول الغربية، زيارتنا للاطلاع علي حقوق الإنسان العربي وتسليط الضوء عليها، يذهب إلي أي مكتبة في بلده ويشتري كتابا بهذا الخصوص ليستطيع تكوين المعرفة الكافية من وجهة نظره عن هذا المجال لدينا، ولا يعير هذا المهتم بالا للدوافع التي تقف خلف كاتب هذا الكتاب، أو الخلفية الثقافية للكاتب عن حقوق إنساننا العربي!. المعرفة لديهم عنا في المكتبة فقط، حيث لم نرَ أياً منهم في الوقت الحالي حضر إلي المنطقة أوِ أي من بلداننا العربية، وقرر الدراسة والتعمق في ثقافة مجتمعاتنا لكي يستطيع أن ينقل الصورة كما هي، وليست كما يريدون، أو طبقا لما عندهم، ومن أقدم منهم علي هذه الخطوة رأيناه وقرائنا له ما يثبت انه يعرف ثقافتنا جيدا. سمحت لي الفرصة بحكم عملي الصحفي أن أزور مناطق متعددة في السعودية خلال الايام الماضية، والتقي بعدد كبير من المواطنين والمقيمين فيها بمختلف شرائحهم الاجتماعية، وما لفت نظري أكثر إجابتين حصلت عليهما اثناء نقاشاتي مع مدرسة سعودية، ورجل يعمل في قطاع النقل. المدرسة السعودية تحدثت معي عن حقوق الانسان في السعودية إنها أفضل مما هي الحال عليه في الغرب، وهذا من وجهة نظرها في قطاعها والتي تلم بكل شاردة وواردة فيه، وتقول تلك المدرسة في ضربها مثلا علي ذلك ان الغرب يفرق في الوظائف بين الجنسين من حيث الدخل المادي للوظيفة، حيث ان المرأة تتقاضي اجرا شهريا اقل من الرجل الذي يعمل معها في نفس الوظيفة، ويقومون بتنفيذ عملهم في الزمن ذاته أي عدد الساعات متساو بينهما. أما الرجل الخمسيني الذي قابلته يعمل علي قيادة احدي حافلات الركاب حيث ينقل المسافرين بتلك الحافلات بين المدن السعودية، فله رأي يفصح عن اطلاع كبير بمجريات الامور رغم تدني تعليمه، وسكنه في الريف الذي ينبئك للوهلة الاولي ببساطة تفكيره، يقول ابومحمد ان الدول الغربية ومنظمات حقوق الانسان فيها يشعروننا بالضيق والحنق عليهم لاننا نري لعمل مثل هذه المنظمات في بلداننا، واهتمامها بما يجري عندنا نراه انه تدخل في شئوننا، كما انها توجد المبررات للمتطرفين بيننا الذين يتخذوننا سببا لزيادة الحنق علي كل ما هو غربي، وفي رأيي ان ما قاله أبو محمد هو عين الصواب، فقد اتخذ التطرف الاسباب الكثيرة لزيادة الاتباع وحشد الاعوان ضد الغرب خيره وشره، وعمل علي استثمار التصرفات الخاطئة للسياسات الغربية في منطقتنا!. النظرة في الغرب لنا من نافذة حقوق الانسان، اثنتان، اولاهما جهات غربية او منظمات حقوقية مقرها الدول الغربية تنشط بشكل طبيعي في مجال حقوق الانسان في بلدانها، وتهتم بما يدور في هذا المجال في بلداننا، وهذا من وجهة نظري مقبول جدا لولا ان هناك قصورا يكتنف عمل هذه الجهات في الثقافة المجتمعية لشعوبنا العربية، لان هذه المنظمات الغربية تعمل في مجال حقوق الانسان في البلدان العربية كما ينبغي تطبيقه في الدول الغربية او حسب ثقافتها الغربية وهذا الخطأ الذي يجب تصحيحه. مثلا قضية مثليي الجنس والزواج بينهما، ننظر لها في بلداننا علي انها مخالفة للطبيعة والفطرة ومحرمة في الدين، بينما ينظر لها في المجتمعات الغربية علي انها حرية شخصية يجب احترامها.اعتقد اننا لو نملك القدرة الحقيقية في بناء مؤسسات المجتمع المدني ومنها جمعيات حقوق الانسان لاستطعنا ان نذهب اليهم في بلدانهم ونريهم حجم الاخطاء التي ترتكب بحق حقوق الانسان لديهم وعلي رأسه حقوق المرأة التي لا تكاد لديهم ان تحصل علي حدها الادني، ومن الامثلة علي ذلك ما يرتكب بحق المرأة والطفل من الافعال والاعمال المنافية للكرامة الانسانية وذلك تحت رؤية قوانينهم واعين مشرعيهم. أما النظرة الأخري فهي تلك الجهات او المؤسسات او المنظمات التي تنشط في مجال حقوق الانسان في الدول الغربية وتمتد اعمالها لدولنا، ولا هم لها الا ايجاد نوافذ علي هذه المجتمعات تسمح لدولها بان تستغلها سياسيا ضد تلك الدول التي تنشط فيها، وهذا من وجهة نظري عمل استخباري يهيئ الأجواء المناسبة لمتخذ القرار السياسي لديهم. إن حقوق الإنسان في بلداننا هي ما يرضي الشريحة الأكبر من المجتمع وتسن القوانين والأنظمة المنظمة لعمل جمعيات حقوق الإنسان لدينا وفقاً لهذه الرؤية المجتمعية.