لم يعد خافيا جذور تلك العلاقة الوثيقة بين الإنجليز وجماعة الإخوان المسلمين علي مدي عقود بعد أن قام حسن البنا بتأسيسها في عام 1928 -في الإسماعيلية- وفي البداية لم تكن فكرة العنف والقتل واردة عنده وإنما كان الهدف نشر الدعوة قائما علي الإخاء والتعاون لمصلحة الإسلام، بعد سقوط دولة الخلافة العثمانية. ولكن بعد النجاح في الإنتشار للجماعة بين البسطاء من المصريين وبالذات في القري والأقاليم، اتجه تفكير حسن البنا إلي تحويل الجماعة من الدعوة الدينية إلي جماعة شبه عسكرية هدفها الوصول إلي الحكم.. وبدأ بعد ذلك النشاط السري للجماعة في عام 1938 وجاءانتقالها من العمل الديني الدعوي إلي العمل السياسي- مثل الأحزاب الأخري وبالذات حزب الوفد، نتيجة لزيادة عددها وانتشارها في الريف.. وتحولت من جماعة صغيرة لايزيد اعضاؤها علي مائة فرد في الاسماعيلية إلي جماعة كبيرة تنتشر في خمسين بلدا وقرية بحلول عام 1933 وصار للجماعة أكثر من 300 شعبة بعدها في عام 1938 في ارجاء مصر.. ووجد الإنجليز في هذه الجماعة ضالتهم في تكوين قوة منافسة للأحزاب القائمة وبالذات حزب الوفد الذي يتمتع بشعبية كاسحة ويسيطر علي الحركة السياسية والشارع المصري.. وكان حسن البنا يتبع اسلوبا فاشيا في إدارة الجماعة بحيث يكون الرأي الأخير له.. وهكذا أرسي مبدأ «السمع والطاعة» الذي قامت عليه الجماعة تحت ستار الدين ولم يكن يسمح لقيادة أخري بالاعتراض عليه أو ابداء رأي مخالف لإن القرار له في النهاية ووقتها ظهرت الانشقاقات في الجماعة ضد أسلوب حسن البنا في القيادة.. وفي البداية أظهرت الجماعة تقاربا مع القصر والانجليز لمواجهة الوفد أكبر حزب سياسي وقتها. وقد سجل كتاب «لعبة الشيطان» ما أورده الكاتب الأمريكي روبرت دار يفوس جذور العلاقة بين الإخوان والإنجليز وأكد أنه عقب الحرب العالمية الأولي وفي اطار محاولة بريطانيا الحفاظ علي الإمبراطورية عقدت صفقة مع البنا وشجعت قيام جماعة الإخوان المسلمين سنة 1982 بدعم «مالي» مباشر من شركة قناةالسويس وكان أول مبلغ خمسين جنيها استرلينيا وتضاعف إلي الآلاف وبالتالي بدأ الإنجليز والملك في استخدام الجماعة وخاصة الجناح السري لها وتورط الإخوان في اغتيال المستشار الخازندار ثم النقراشي باشا رئيس حكومة السعديين. وقد تم تكوين الفصائل العسكرية لهم وتحت مسمي «الجوالة» وكانت تنظم طوابير استعراضية في الأقاليم لكي تجذب الشباب للإنضمام لها ووصل عددهم في نهاية الحرب العالمية الثانية عام 1945 إلي حوالي 40 الف جوال وكأن وجودهم ونشاطهم العسكري يتعارض مع القانون ولكن وجود مجموعات للأحزاب الأخر ي «مثل القمصان الزرقاء والخضراء» جعل الحكومات تغض الطرف عنها، بل كانت تبدو مظاهر التقارب مع القصر والانجليز عندما تم الإفراج عن عناصر من شباب الجماعة بعد صدام محدود مع الجيش البريطاني الذي طبق قانون الاعتقالات اثناء اقتراب قوات المحور من دخول مصر عن طريق العلمين وذلك بناء علي طلب حسن البنا نفسه وعقد الانجليز ما يشبه الاتفاق الضمني مع الجماعة للتعاون في تقليص الدعوة لهتلر والالمان في مقابل اطلاق يد الجماعة في القري والأقاليم والمدارس. ويشير كتاب التواطؤ البريطاني مع الاسلام للكاتب مارك كورتس إلي انه بناء علي الوثائق السرية بالارشيف البريطاني بأن لندن بدأت تمويل جماعة الإخوان سرا في عام 1941 اثناء الاحتلال بالتعاون مع القصر والملك فاروق وأن الهدف كان هو احداث انفسام داخل الإخوان حتي يمكن السيطرة عليهم وتفكيك الجماعة عند الحاجة وكانت نتيجة الاتصالات بين حسن البنا والانجليز خلال تلك الفترة اتجاه نشاط الجماعة إلي التهدئة وعدم القيام بنشاط مباشر ضد بريطانيا وعدم المشاركة في المظاهرات التي كانت تطالب القوات الالمانية بقيادة روميل بالتقدم نحو القاهرة لطرد الجيش البريطاني من مصر ولكن الإخوان التزموا الصمت! وظل حسن البنا والإخوان علي اتصالاتهم السرية مع الانجليز والسفارة من ناحية ومع القصر والملك من ناحية أخري وخصوصا بعدمارفض النحاس باشا ترشيح حسن البنا في دائرة الاسماعيلية في الانتخابات ونصحه بأن يقتصر علي النشاط الدعوي للجماعة وأفهمه أن الوفد لايوافق علي دخول الحركة في العمل السياسي،وأضمرها حسن البنا في نفسه واتجه الإخوان إلي النشاط السري من خلال الجهاز السري الذي يرأسه عبدالرحمن سند واستمر دعم السفارة البريطانية لهم بالمال سرا.. وبعد اغتيال حسن البنا وحدوث حركة الاعتقالات نزلت الجماعة تحت الأرض وصارت تمارس نشاطا بالتنسيق مع السفارة! وبعد ثورة يوليو 1952 صارت هناك ثلاث قوي في الساحة- بعد حل الأحزاب- وهي الضباط الأحرار وحركة الجيش بقيادة جمال عبدالناصر وجماعة الإخوان والاحتلال البريطاني الذي كان مازال موجودا.. وجدت مفاوضات الجلاء بين الثورة والانجليز واراد الاخوان ان يكون لهم دور فيها ورفض عبدالناصر وخصوصا بعدما اكتشف اتصالاته السرية مع السفارة البريطانية من خلال ايفانز ضابط الاتصال، واتخذت تلك الاتصالات بين بريطانيا والاخوان منحي آخر وباعتبارهم معارضة ضد سياسة عبدالناصر المتشددة في المفاوضات وبدا ذلك عندما اتخذ الاخوان موقفا معارضا ضد اتفاقية الجلاء والتي تم التوصل اليها بعد خلافات شديدة مع الانجليز واكتشف مجلس الثورة ان الإخوان يتآمرون علي النظام بالإتفاق مع الانجليز وحدث الصدام بعد محاولة اغتيال عبدالناصر في ميدان المنشية بالاسكندرية وكانت من تدبير جماعة الإخوان -الجهاز السري- ومما أدي إلي حملة اعتقالات واسعة ضدهم.. وبدأت عملية الهروب إلي الخارج واتجهوا إلي السعودية والخليج وكذلك إلي بريطانيا واوروبا.. وبدأت الجماعة نشاطا من هناك ضد عبدالناصر والثورة وكان سعيد رمضان زوج ابنة حسن البنا يتولي ذلك ويجمع الاموال والتبرعات من الجاليات العربية والاسلامية من وراء اقامة المساجد ولكن الجماعة ظلت علي اتصالاتها مع بريطانيا لمناوأة عبدالناصر ومحاولة اسقاط النظام واتخذوا من لندن مقرا ومركز لممارسة نشاطهم علي مدي عقود! وأخيرا جاء قرار كاميرون رئيس الوزراء البريطاني لكي يضع حدا لعلاقة بريطانيا والإخوان وسوف تكشف التحقيقات ما خفي منها. ولعل هذا هو السبب في أن الجماعة نقلت نشاطها إلي النمسا بدلا من لندن وذلك يشير إلي مأزق الإخوان مع بريطانيا!