اجازة من الدنيا.. ربما يكون هذا التشبيه أفضل تعبير عما يشعر به الحاج أو المعتمر طوال فترة الحج أو العمرة.. في هذه الفترة - ودون أن يدري - يجد الحاج أو المعتمر نفسه وقد أدار ظهره للدنيا بكل ما فيها من مباهج فلا يري أمامه إلا اللحظة التي سيلقي فيها رب العالمين يوم الحساب.. يوم لا ينفع المرء لا مال ولا بنون ولا يتبقي له سوي أعماله فإذا تجاوزت حسناته سيئاته كان من أهل الجنة واذا تجاوزت سيئاته حسناته كانت النار له مستقرا. تخيل هذه اللحظة في حد ذاتها هو ما يدفع الحجاج والمعتمرين إلي البكاء وربما بشدة وبصوت مسموع وهم يرددون الدعوات بالرحمة والمغفرة طوال فترة الحج أو العمرة خاصة امام الكعبة أو قبر رسول الله «صلي الله عليه وسلم» . هذه الحالة الروحانية لا تقتصر بالطبع علي المسلمين من دولة أو دول معينة لكنها حالة تنتاب المسلمين من كل بقاع الارض عندما يتوافدون بالملايين لاداء الحج أو العمرة.. نفس الاحاسيس.. نفس المشاعر الندم علي ما ارتكبوه من سيئات.. نفس الدعوات وطلب الرحمة والمغفرة من الخالق سبحانه وتعالي. منذ الخميس الماضي وأنا في هذه الاجازة من الدنيا.. في رحلة عمرة بدأتها بزيارة المسجد النبوي وقبر رسول الله «صلي الله عليه وسلم» بالمدينةالمنورة التي لا توجد مثلها مدينة في العالم تعطي لزائرها هذا الاحساس بالراحة والسكينة والاطمئنان.. مهما قلت في هذا الشأن فالراحة النفسية التي يشعر بها الزائر للمدينة المنورة لا يمكن وصفها خاصة في المسجد النبوي.. في أي ركن من أركانه وليس الروضة الشريفة وحدها أو أمام قبر الرسول «صلي الله عليه وسلم».. والمؤكد أن مصدرها شعوره أنه بجوار رسول الله «صلي الله عليه وسلم».. وهل هناك أفضل من هذا جوار؟ بعد 4 ليال في المدينةالمنورة توجهت يوم الاثنين الماضي إلي مكةالمكرمة لاداء العمرة بعد غياب 3 سنوات.. هالني مشروع توسعة الحرم الذي يجري تنفيذه حاليا لزيادة الطاقة الاستيعابية للمسجد الحرام بإضافة مساحات وادوار جديدة لمواجهة الزيادة المستمرة في أعداد الحجاج والمعتمرين.. الغريب ان كل اعمال التوسعة في هذا المشروع العملاق تتم من خلال منظومة عمل لا تؤثر علي انتظام رحلات الحج أو العمرة وهو ما يجعل توجيه الشكر والتقدير لخادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز والاشادة بهذا المشروع غير المسبوق واجبا علي كل مسلم. أعود إلي مشاعر التوبة إلي الله التي توحد المسلمين في فترات الحج والعمرة علي هدف واحد وأمل واحد أن يستجيب رب العرش العظيم لدعواتهم بالرحمة والمغفرة.. هذا المشهد لتجمع المسلمين من كل انحاء العالم في مكان واحد ليس له مثيل في أي ديانة اخري ومن نعم الاسلام علينا أن يجد المسلمون الفرصة ليجتمعوا من كل الجنسيات في مكان واحد ولهدف واحد.. يا لها من عظمة اللحظة وجلال المشهد. وربما ما زاد المشهد جمالا هذه المرة تلك الدعوات التي تنطلق بصوت عال بالدعاء لمصر ان يجنبها الله سبحانه وتعالي كل مكروه وان يعيد لها الأمل والاستقرار وينصرها علي كل من أراد بها سوءا.. لم تقتصر هذه الدعوات علي المصريين وحدهم بل شاركتهم أصوات عربية.. كلما تواجد جمع من المصريين متجاورين اثناء الطواف حول الكعبة أو السعي بين الصفا والمروة علت اصوات بالدعاء لمصر فإذا تصادف وجود اشقاء عرب في محيط نفس المنطقة شاركوهم الدعاء من القلب لانهم يعرفون انه اذا سقطت مصر سقطت الامة العربية كلها. اللهم تقبل دعواتنا واحفظ مصر وأهلها لتبقي دائما واحة الأمن والأمان لكل من يدخلها كما جاء في القرآن الكريم في قوله تعالي: «ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين» مازالت امامي ثلاثة ايام وتنتهي هذه الاجازة من الدنيا، اخشي أن اعود بعدها لدوامة الازمات والخلافات السياسية.. دوامة العنف والارهاب... لكنها الحقيقة التي لا أستطيع أن أهرب منها إلا بإجازة جديدة من الدنيا.