شهدت حقبة الستينيات وأوائل السبعينيات وحتي أوائل التسعينيات من القرن الماضي صورا من التدخل السوفيتي لبسط نفوذه في شئون العالم الثالث حتي سقوط جدار برلين عام 1991 وانهيار الاتحاد السوفيتي السابق، والولايات المتحدة كانت ولا زالت كقطب أوحد تحاول بسط نفوذها علي كثير من دول العالم، مستخدمة في ذلك سلاح المعونات والسيطرة من خلالها علي إرادة الأمم وفي السنوات الماضية أصبح تدخلها لفرض نفوذها أكثر جرأة، وهذه الجرأة علي التدخل في شئون الدول لها آثارها الوخيمة علي أمن العالم واستقراره. وقد برزت نظرية الشرق الأوسط الجديد بعد عاصفة الصحراء التي أخرجت القوات العراقية من الكويت الشقيق، ومع دخول بوش الصغير ليصبح سيد البيت الأبيض أعاد تفعيل نظرية كيسنجر وزملائه في السبعينيات التي ركزت علي مناطق النفط في الشرق الأوسط خاصة بعد أزمة أسعار النفط التي خرجت من رحم حرب رمضان المبارك عام 1973 واشتعال أسعاره ليتزعم مهندس السياسة الخارجية آنذاك كيسنجر تأسيس وكالة الطاقة الدولية عام 1974 لتقف في وجه الأوبك. هذه التدخلات الأمريكية (بالقوة) أحيانا وبالقوة والنفوذ أحيانا أخري تؤكد أن الإدارة الأمريكية هي الوارث الحقيقي لاتفاقية (سايكس بيكو) وليست بريطانيا وفرنسا أصحابها الأصليين، وأمريكا تنفذ خططها واستراتيجياتها وعينها علي مستودع النفط العالمي في الخليج العربي النفط الذي يسيطر العرب علي 62 في المائة من احتياطيه العالمي وأمن إسرائيل متحالفة مع ايران وإسرائيل وتركيا ضد العرب، الذين تسيطر منطقتهم الاستراتيجية بمضايقها وقنواتها وفي مقدمتها قناة السويس الشهيرة علي 50 في المائة من صادرات العالم. مصر أولا لأهميتها ومكانتها وموقعها وبأزهرها الشريف وعلمائها وشعبها وجيشها العظيم، جيش مصر بتاريخه وبطولاته العظيمة وجهاده ضد التتار والصليبيين لاسترداد القدس الشريف مع جند صلاح الدين في موقعة حطين الشهيرة وجهاده وانتصاره التاريخي علي اليهود وأعوانهم وتحطيم أحلامهم وغطرستهم عندما تقدم الجيش محطما خط بارليف كالإعصار في أكبر معركة استراتيجية عسكرية عرفها التاريخ الحديث عام 1973م. أمريكا أحد أهدافها اليوم هو تفكيك هذا الجيش العظيم لتضمن لإسرائيل دولة من الفرات إلي النيل، وتعزيز الوجود الإيراني في المنطقة وتأهيله مع الدولة العبرية وتركيا كراع للمنطقة وحليف أساسي لأمريكا والغرب. لكن التاريخ يقول ان شعب مصر وجيش مصر خير أجناد الأرض كشفوا (المؤامرة الكبري) والفتن الداخلية والخارجية، وما يحاك ضدهم في السر والعلن وأفشلوها، وإذا كانت قد نفذت الفوضي الخلاقة في دول عربية أخري فإنها ستتكسر علي قوة صخرة مصر التي ذكرها الله في كتابه العزيز في مواقع كثيرة منها قوله تعالي: (فَلَمَّا دَخَلُواْ عَلَي يُوسُفَ آوَي إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ وَقَالَ ادْخُلُواْ مِصْرَ إِن شَاء اللّهُ آمِنِينَ) يوسف 99. هذه هي مصر في القرآن الكريم مسلميها ومسيحييها. هي مصر التي أوصي الرسول صلي الله عليه وسلم أصحابه بأهلها: عن أبي ذر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: (ستفتحون مصر، وهي أرض يسمي فيها القيراط، فاستوصوا بأهلها خيراً، فإن لهم ذمة ورحما)، أخرجه مسلم وعن أم سلمة رضي الله عنها أن رسول الله صلي الله عليه وسلم أوصي عند وفاته، فقال: "الله الله في قبط مصر، فإنكم ستظهرون عليهم، ويكونون لكم عدة وأعواناً في سبيل الله"، أخرجه الطبراني في الكبير. انها مصر بلد الخيرات والنعم والماء العليل بنيلها العظيم فيها خزائن الأرض، لننظر إلي قول يوسف عليه السلام لملك مصر (قَالَ اجْعَلْنِي عَلَي خَزَآئِنِ الأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ) يوسف 55، انها مصر (القوة) مصر قوة وهيبة الدولة. هي مصر مسلمين ومسيحيين قلعة الإسلام منذ فتحت ذراعيها للإسلام. هي مصر التي أوصي نبينا الأعظم صلي الله عليه وسلم أصحابه بها، فعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلي الله عليه وسلم يقول: (إذا فتح الله عليكم مصر فاتخذوا فيها جندا كثيرا، فذلك الجند خير أجناد الأرض، فقال له أبو بكر: ولمَ يا رسول الله قال: لأنهم وأزواجهم في رباط إلي يوم القيامة)، أخرجه ابن عبد الحكم في فتوح مصر، وابن عساكر.. لقد حمي الله مصر ورسولنا صلي الله عليه وسلم أوصي أصحابه بمصر وأهل مصر. وجيشها وشعبها بوطنيته وهويته المعروفة بين الأمم سيقفون صفا واحدا ضد همجية ومؤامرات وتدخلات الحاقدين والماكرين والحاسدين والأعداء المتربصين.