جاءت وصافة كأس العالم تحت 20 عاما في تركيا أمس السبت ، لتعيد أوروجواي إلى مكانة متقدمة في كرة القدم العالمية ، ليطرح مجددا السؤال حول كيفية تحقيق هذه النتائج في بلد لا يزيد تعداده السكاني عن بضعة ملايين نسمة ، وموارده الاقتصادية محدودة. وتعد كرة القدم هي الرياضة الأكثر جماهيرية في البلد اللاتيني ، وتمارس في الملاعب والأراضي الفضاء والميادين والشواطئ والشوارع. يلعبها الرجال من كل الأعمار (عندما يبدأ الأطفال في المشي ، من المؤكد أن هديتهم الأولى تكون كرة) كما يزداد عدد ممارسيها من السيدات بمرور الوقت. وحصدت أوروجواي ميداليتين أولمبيتين في كرة القدم عامي 1924 و1928 ، ولقبين في كأس العالم عامي 1930 و1950. كما حصد ناسيونال وبنيارول ، أكثر الأندية شعبية في البلاد ، لقب كأس ليبرتادوريس أهم البطولات القارية في أمريكا الجنوبية ثماني مرات فيما بينهما. وأمس في بطولة كأس العالم للشباب تحت 20 عاما بتركيا ، خسرت أوروجواي المباراة النهائية أمام فرنسا بضربات الترجيح 1/4. وهي المرة الثانية التي تحل فيها البلاد في المركز الثاني لمونديال هذه المرحلة السنية بعد عام 1997 في ماليزيا. وقال المدرب خوان فيرزيري بمجرد انتهاء المباراة ، فيما كان ولاعبوه يجلسون في استاد سامي علي ين أرينا في اسطنبول ، محاولين تقبل الهزيمة وهم ينتظرون تسلم الميدالية الفضية "أوروجواي عليها أن تكافح أمورا كثيرة ، لكن رغم ذلك ، أثبتنا أن الإمكانية موجودة". لكن كيف تتسنى كل هذه النجاحات لبلد لا يملك أكثر من 3ر3 ملايين نسمة ، فضلا عن اقتصاد محدود لا يزيد إجمالي ناتجه المحلي عن 50 مليار دولار؟ والسبب ليس وجود خطط منظمة ، أو حوافز مالية للاعبين ، أو استثمارات مليونية في البنى التحتية. بل إن أغلب ملاعب الأندية المحترفة في حالة سيئة والرواتب هزيلة إلى حد كبير ، الأمر الذي يؤدي إلى هجرة أغلب اللاعبين الذين يبرزون. ويقول المدير الفني الأسبق لمنتخب أوروجواي الأول فيكتور بوا لوكالة الأنباء الألمانية (د. ب .أ) "ليست معجزة. هنا تلعب كرة القدم من سن الخامسة أو السادسة. يبذل مجهود كبير على مستوى برامج الناشئين. ذلك ينعكس لاحقا عبر الخبرة الدولية ، وفي بطولات أمم أمريكا الجنوبية وكأس العالم". ويضيف "كل ذلك يؤدي إلى هذا المنتج النهائي ، أن تكون منتخبات الشباب بهذه القوة". ويوضح بوا أن في أوروجواي "هناك شغف ، أكبر صوره هي كرة القدم. يولد المرء بكرة تحت ذراعه ولعب كرة القدم يمثل شعيرة خاصة. تبدأ المنافسة من سن الخامسة أو السادسة". يبدو إذن أن صيغة النجاح تجمع بين تأصل هذه الرياضة في قلوب الجماهير ، وممارستها بدءا من أعمار مبكرة للغاية ، وشغف الأوروجوائيين باللعبة ، ما يعوض أي أوجه قصور أخرى. وأكد دييجو لوجانو ، القائد الحالي لمنتخب "السماوي" الأول ، أن في أوروجواي "أي طفل يحب اللعب منذ أن يبدأ في ركل الكرة ، أي في الثالثة أو الرابعة من العمر. والوالدان بدلا من أن يعلماه كيف يلمس الكرة مرتين أو ثلاثة ، يدفعانه إلى اللعب بكل قوة وأن يندفع باتجاه أقدام المنافسين". لكن في كرة القدم التنافسية ، لا تكفي القوة في الأداء وحدها دائما. ويقول لوجانو ، قائد الفريق الذي أحرز المركز الرابع لكأس العالم 2010 في جنوب أفريقيا "إننا لا نزال نتأخر بسنوات عن التنظيم الذي تتمتع به فرنسا... إنهم يتقدمون علينا كثيرا. هم متطورون للغاية ولديهم ثقافة أكبر". وأضاف "ما لدينا دائما هو ما ينبع من التقاليد ، مما نتعلمه في الحي مع الأسرة". وهناك تفسير آخر لتجديد دماء أوروجواي خلال الأعوام الماضية وهو بحسب وسائل الإعلام المحلية العمل الذي يقوم به مع المنتخبات الوطنية منذ عام 2006 المدرب أوسكار تاباريز. وكان عدد من لاعبي الفريق الذي خسر أمس نهائي مونديال الشباب في تركيا ، قد وصلوا إلى نهائي مونديال الناشئين تحت 17 عاما عام 2011 ، لكنهم خسروا صفر /2 أمام المكسيك. وفي إطار عملية يقودها أوسكار تاباريز ، أنهت أوروجواي مونديال جنوب أفريقيا 2010 في المركز الرابع ، وفازت ببطولة كوبا أمريكا 2011 في الأرجنتين ، كما احتلت المركز الرابع لبطولة كأس القارات بالبرازيل الشهر الماضي. وقارن تاباريز بين بنية كرة القدم في أوروجواي وفرنسا قبل أيام من المباراة الودية التي جمعت منتخبي البلدين يوم الخامس من يونيو الماضي في مونتفيديو. وقال المدرب وقتها "فرنسا تملك المتطلبات الثلاثة لكرة القدم كرياضة وصناعة: السكان والثراء والتاريخ الكروي. لها تاريخها ، ونحن لنا تاريخنا كذلك ، ولدينا أوجه قصور كبيرة في الجانبين الآخرين". وتابع "لكننا أظهرنا أنه يمكن القيام بشيء رغم أننا لا نملك خيارات كثيرة للحصول على لاعبي كرة ، وإخضاعهم لعملية انتقاء مثلما يتوفر للبرازيل أو الأرجنتين أو كولومبيا. فتلك دول لديها سكانا أكثر ، ولاعبي كرة أكثر كذلك". في الوقت نفسه ، يعاني مواطنو أوروجواي عندما يرون أن منتخب بلادهم الأول على وشك الخروج من تصفيات كأس العالم 2014 في البرازيل. لو حدث ذلك ، فستكون سلواهم في أن أرضهم حتى ولو كانت صغيرة فإنها لا تزال خصبة باللاعبين الجيدين ، القادرين على نيل وصافة في بطولة كأس عالم للشباب كما فعلوا أمس في تركيا.