تاريخ كرة القدم مليئ بالطرائف والحكايات الخرافية، بعضها تصل أحياناً إلى نهايتها حتى قبل أن تبدأ. يبدو أن هذا كان حال الفريق البيروفي ريال جارسيلاسو الذي خرج إلى الوجود في ديسمبر الماضي، عندما أُحبطت مساعيه للفوز بلقب الدوري الأول في تاريخه من قبل سبورتنج كريستال ليما، الذي حصد درع البطولة ال16 في تاريخه على حساب ممثل كوسكو الجديد. لكن ذلك لم يشكل نهاية قصة ريال جارسيلاسو، هذ الوصيف الذي فجر مفاجأة كبرى، بل إنها كانت نقطة الانطلاق نحو مغامرة أخرى ولا في الأحلام، وهذه المرة في كأس ليبرتادوريس. فبدلا من أن يكتفي بالافتخار بأول ظهور له في عروس بطولات أندية أمريكا اللاتينية باعتباره فرصة لاكتساب الخبرة للمستقبل، حاول هذا النادي الملقب ب لاماكينا سيليستي ترك بصمته أمام عمالقة القارة. وكانت رغبته في الإبقاء على أفضل لاعبيه والحيلولة دون انتقالهم إلى كبريات أندية ليما مؤشرا على طموحه ومساعيه، وهو ما تأكد أيضا من خلال كلام المدرب فريدي جارسيا في أعقاب الهزيمة في المباراة الفاصلة ضمن فعاليات الدوري على يد سبورتنج كريستال. واشفاً عن رغبته في بلوغ النجاح القاري، قال المدير الفني بنبرة متفائلة: "نحن بحاجة إلى تصحيح بعض الجزئيات لكي نكون في أفضل حال قبل دخول غمار كأس ليبرتادوريس. لا توجد قيود بشأن عدد الأجانب الذين يمكنك أن تلعب بهم، مما يتيح لنا المزيد من الخيارات. لن نكتفي بمجرد المشاركة في البطولة. نحن نريد أن نصنع التاريخ فيها". ووفاءً بوعده، قضى جارسيا الأسابيع القليلة التالية وهو منكب على تعزيز تشكيلة فريقه بلاعبين أجانب، حيث نجح في الحصول على خدمات لاعب خط الوسط الأرجنتيني ألفريدو راموا ورباعي باراجواي أوسكار جامارا وفيكتور فيريرا ورولاندو بوجادو وإدجار أكوستا. من خلال ذلك، تمكن من خلق فريق قادر على تعويض خيبة الأمل المترتبة عن خسارة لقب الدوري وإبلاء بلاء حسن في ليبرتادوريس، حيث تقدم إلى دور ال16، وهي المرحلة التي عجز عن بلوغها العديد من الفرق الكبيرة ذات التاريخ العريق في المسابقة. فوق كل التوقعات: بعد الإنجاز الكبير الذي حققه في مسابقة ليبرتادوريس ذات السمعة الكبيرة، من الصعب على المرء أن يصدق بأن ريال أتليتيكو جارسيلاسو لم يخرج إلى الوجود إلا في 16 يوليو 2009. وكان ذلك عندما اجتمع مجموعة من الطلاب السابقين في جامعة إنكا جارسيلاسو دي لا فيجا في محاولة لإعطاء دفعة معنوية لكرة القدم في كوسكو، في الوقت الذي كان الناديان المحليان سينسيانو جارسيلاسو وديبورتيفو يعيشان تحت وطأة مشاكل إدارية خانقة. فبقيادة خوليو فاسكيز جرانيا، الذي سيصبح أول رئيس للنادي، كانت فكرتهم تتمثل في تأسيس فريق يشعر أهالي المنطقة الجنوبية الشرقية للمدينة بالانتماء له، ولو أن فكرة اعتماد اسم جارسيلاسو من ديبورتيفو - في إشارة إلى الشاعر الإسباني الذي أعطى اسمه لجامعتهم - لم تخل من الجدل. وكان الفريق الأول الذي أُنشئ يتألف بشكل كامل من اللاعبين المحليين، وكان متوسط أعمارهم 17 سنة فقط، ومع ذلك فإن افتقارهم النسبي للتجربة لم يمنعهم من الفوز بلقب دوري الدرجة الثانية الإقليمي، والذي منح هذا النادي الجديد فرصة للتباري في بطولة كوبا بيرو 2010. وهنا بالضبط أصبحت القصة تتخذ بعداً خرافياً. فبعدما كان هدفهم الأولي يتمثل في إنشاء فريق ينتمي إليه أهل كوسكو، دخل الفريق على نحو مفاجئ في مرحلة نجاحات وانتصارات فاقت كل التوقعات. ففي عام 2010، وحتى قبل أن تكون له قاعدة جماهيرية واضحة المعالم، تمكن الفريق من الوصول إلى المرحلة الوطنية من كأس بيرو، بعدما أتى على الأخضر واليابس في المنافسات المحلية، متربعاً على عرش دوري المقاطعة والإقليم ثم المحافظة. وفي طريقه إلى نخبة كرة القدم البيروفية، سجل ريال غارسيلاسو ما لا يقل عن 211 هدفاً بينما لم تهتز شباكه سوى 24 مرة، قبل أن يحل وصيفاً لبطل الدوري الوطني في أول مشاركة له في قسم الكبار ومن ثم ترك بصمة واضحة في كأس ليبرتادوريس. وبالتالي، فإذا كان الهدف من خروجه إلى الوجود يتمثل في كسب دعم مدينة بأكملها، فإن ذلك قد تحقق في زمن قياسي. ومع ذلك، فإن جارسيا الطموح يضع نصب عينيه بلوغ درجات أعلى من ذلك بكثير، وهو ما أوضحه بالقول: "لقد قيل الكثير حول كيفية وصولنا إلى هنا حيث اعتبر العديد من الناس ذلك إنجازا في حد ذاته، ولكن الواقع ليس كذلك. من السابق لأوانه الحديث عن ذلك. لقد شكلنا فريقاً يزخر بمهارات عالية وأريد أن ننازل به أندية أمريكا الجنوبية الكبيرة". وبالفعل، تحققت رغبته عندما وضعت قرعة دور ال16 ريال غارسيلاسو ضد ناسيونال مونتيفيديو، الفائز باللقب القاري ثلاث مرات، علماً أن عملاق أوروجواي يشارك في ليبرتادوريس للمرة الأربعين حيث سبق له أن لعب أكثر من 300 مباراة في هذه البطولة. وقد كان اللاعبون عند حسن ظن جارسيا ضد ناسيونال في مباراة الذهاب، التي فازوا فيها 1-0 في انتظار ما ستسفر عنه موقعة العودة يوم الخميس في استاد سينتيناريو الأسطوري في مونتيفيديو، وهو السيناريو الذي لم يكن يتبادر إلى أذهان ممثلي مدينة كوسكو حتى في أجمل أحلامهم وألذها قبل بضعة أشهر فقط. لكن جارسيا يشرح فلسفته البسيطة بالقول: "نحن لم نعتبر أبداً أي شيء في عداد المستحيلات، ولذلك فإننا لن نغير طريقة نظرتنا للأشياء الآن". ثم ختم حديثه وهو يتطلع إلى إمكانية التأهل لربع النهائي حيث من المتوقع أن يلاقي إنديبندينتي سانتا في الكولومبي أو جريميو البرازيلي: "لقد ولى الوقت الذي كنا ننظر فيه لمثل هذه المباريات وكأنها ضرب من الحلم".