بعد أقل من ساعتين من إعلان جوزيف بلاتر يوم 2 يونيو الماضي إعتزامه التنحي عن رئاسة الفيفا بعد نجاحه الإنتخابات بأغلبية 133 صوتاً، كنت ضيفاً على الهواء مباشرة في إحدى القنوات الفضائية العالمية الناطقة باللغة العربية ، وشككت في أمر التنحي وقلت أن وكالات الأنباء والفضائيات تخطيء في وصف الأمر بأنه إستقالة وأن تفعيلها لم يحدث وأن بلاتر يناور وسوف يستمر الرئيس الفعلي الذي يدير شؤون الفيفا حتى إشعار آخر. وكان كلامي صحيحاً لحد كبير، حيث قام بلاتر بتأجيل دعوته لإجتماع طاريء للجنة التنفيذية لمدة 48 يوماً للبحث في الأمر، وبعد أن أكمل مراجعة أوراقه ومستنداته وخططه الخاصة بحماية نفسه والمزايدة على الجميع ، دعا اللجنة "النائمة" للإجتماع بعد أن أعد "مسودة " القرارات التي يريدها ونجح في إقناعهم بتمريرها ، وأولها تأجيل تفعيل قرار إبتعاده وإنتخاب الرئيس الجديد لمدة ثمانية أشهر حتى يوم 26 فبراير، ورغم أن المدة القانونية اللازمة لعملية الإعلان عن أسماء المرشحين وحملاتهم الإنتخابية لا تزيد عن أربعة أشهر. وهذه المرة الأولى في التاريخ التي يخرج فيها مسؤول ويعلن أنه سوف يستقيل ، ويتضح أنه قرر إعطاء نفسه مهلة بعد 8 أشهر من تصريحه ! وهذه المرة الأولى أيضا التي نرى فيها مسؤولاً يستقيل في ظروف محاطة بالتشكيك وأجواء وإتهامات بالفساد والإنحراف وعدم الشفافية ، ثم يعلن نفسه الوصي على تنصيب خليفته والمسؤول عن الإصلاح وتطهير المنظمة من الفساد وتصحيح لوائحها وتعديل دستورها ، والغريب أن اللجنة التنفيذية أعلى سلطة في الفيفا والتي تضم أيضا رؤساء الإتحادات القارية في العالم بأجمع ، لم نسمع لهم صوتاً ولا تعليقاً وكأنهم لم يبلغوا سن الرشد للإعلان عن وجهات نظرهم أو أرائهم في هذا العك الذي يحدث في الفيفا، والأغرب أن بلاتر أعلن أنه حصل على موافقة ومباركة أعضاء اللجنة لكي يقود هو بنفسه مسيرة الإصلاح والتطهير وإستعادة سمعة الفيفا الملطخة بالسواد والفساد منذ سنوات طويلة ، وإذا كانوا قد وافقوه على أنه فارس الإصلاح وقائد التطهير فلماذا إستقال ولماذا وافقوا على إستقالته إذن، ولماذا تأخر 40 سنة ليواجه جذور الفساد في الفيفا ؟ والأغرب من كل ذلك أن بلاتر أعلن أن مهمة التطهير وإستعادة الشفافية وإقتراح وإصلاح لوائح وقوانيين ، بل ودستور الفيفا، ستكون مسؤولية فريق من أسماهم بالأذكياء ال11 وهم من أعضاء لجنة الأخلاقيات في الفيفا ، ومع إحترامي لهم وبعضهم من المحامين فهم تم إختيارهم بالتعيين من بلاتر وليس بالإنتخاب من الجمعية العمومية للفيفا مثل الرئيس، وليسوا منتخبين من إتحاداتهم القارية مثل أعضاء اللجنة التنفيذية، فما هي صلاحياتهم العليا ليقوموا بهذه المهمة الكبيرة التي فشلوا فيها من قبل بحماية الفيفا من فساد مسؤوليه ! . للأسف عملية الإصلاح في الفيفا ، ستتحول إلى لغز محير،ومهمة غامضة تفتقر الشفافية وتستعصي على المنطق، وسينشغل الجميع بإنتخابات رئيس الفيفا الجديد، الذي سيأتي ليرث تركة مشبوهة قام بالإشراف على إصلاحها رئيس طاردته شائعات بالفساد، فأعلن الرحيل !