كانت المناصب الوزارية في السابق من الأمور التي يتهافت عليها الناس, لكن في ظل التطورات التي شهدتها البلاد بعد ثورتي25 يناير و30 يونيو جعلت قبول المنصب نوعا من الانتحار نظرا لثقل التركة التي خلفها الرئيسان المخلوع مبارك والمعزول مرسي, وهو مايجعلنا نثني علي شجاعة الدكتور حازم الببلاوي رئيس الوزراء وفريقه الوزاري لأنهم بقبولهم للمهمة أثبتوا أنهم من فصيلة نادرة تقبل التحدي ولاتعرف الاستسلام أو اليأس ولاتخشي الظروف المعاكسة وما أكثرها خلال هذه الأيام. المهم أن حكومة الدكتور الببلاوي جاء تشكيلها متوازنا إلي حد كبير ومرضيا ومتناغما مما يجعلنا نأمل منها خيرا للشعب المصري والذي طالت معاناته بأكثر من اللازم ويحتاج إلي الأفعال بأكثر من الأقوال للتخفيف من أعبائه وبث الثقة في المستقبل وتحقيق طموحات الشعب التي عبرت عن نفسها بصورة عفوية في ثورة25 يناير في شعار: عيش, حربة, عدالة اجتماعية ونحن إذ نحسن الظن بحكومة الببلاوي وقدرتها علي تجاوز المرحلة الدقيقة التي تمر بها البلاد الآن, يتعين علينا ألا نبالغ في نسج الأحلام والآمال لسبب بسيط هو أن ماتواجهه الحكومة الحالية هو الأصعب والأكبر في تاريخ الحكومات المصرية دون أدني مبالغة. ومن المؤكد أن الانفلات الأمني يأتي علي رأس أولويات الحوكة الجديدة, إذ بدون عودة الأمن ومواجهة فوضي التظاهرات والاحتجاجات في الشوارع والميادين دون الالتزام بالسلمية, عمل من شأنه أن يعطل دولاب الإنتاج ويعرقل قدرة الحكومة علي الانجاز وهو مايتعين أن تعثر الكومة علي حل يحقق المعادلة الصعبة المتمثل في الحفاظ علي حق التظاهر السلمي وأحد أهم مكتسبات الثورة وعدم شل حركة الطرق والشرايين المرورية سواء كانت المظاهرات مؤيده أو معارضة. التحدي الثاني: يكمن في ضرورة كسب المعركة ضد الإرهاب في سيناء وتطيهر جبل الحلال وغيره من ا لمسلحين التكفيريين والظلاميين عبر اطلاق يد القوات المسلحة في استهداف هذه البؤر الإجرامية, وهذا يتطلب ضمن مايتطلب التنسيق مع مشايخ البدو وعواقل سيناء لسحب الغطاء عن هؤلاء المسلحين الذين يعتنقون فكرة تنظيم القاعدة ويشكون تهديدا حقيقيا للأمن القومي المصري. التحدي الثالث: تفعيل المصالحة الوطنية واستدعاء تجربة المناضل نيلسون ماندلا في جنوب أفريقيا وهي التي أتاحت لبلاده تجاوز مرارات وأحقاد فترة الحكم العنصري, علي أن تتم المصالحة علي أسس واضحة ومحددة في مقدمتها مبدأ المواطنة مع مراعاة عدم التهاون مع كل من تورط في حمل السلاح أو مارس التحريض علي الجيش والأمن لأنه يوجد فارق كبير بين من يعتنق فكر ما مهما يكن اختلافنا معه وبين من يقع في خطيئة التآمر والتحريض علي العنف المسلح وبث الشائعات الكاذبة. التحدي الرابع: تبني خطة لإنعاش الاقتصاد المصري الذي يمر بمحنة هي الأسوأ منذ ثورة25 يناير ويحتاج إلي عمل دءوب ومدروس لإقالته من عثرته, ونعتقد أن ا لدكور الببلاوي المفكر الاقتصادي المرموق قادر هو وفريقه الحكومي علي إخراج الاقتصاد المصري من الانعاش, مستفيدا من مد الدول العربية الشقيقة والخليجية تحديدا يد المساعدة لمصر الجديدة وهو ما عبر عنه في صورة تقديم مساعدات مالية وعينية وقروض بلغت12 مليار جنيه مما حد من تراجع الجنيه أمام العملات الأجنبية, وبث حالة م الثقة بين المستثمرين انعكس علي أداء البورصة التي تجاهلت مشاغبات جماعة الإخوان. التحدي الخامس: يتعين علي الحكومة الجديدة ألا تسرف في تقديم الوعود وأن تتحلي بمصارحة الشعب بالواقع مهما تكن مرارته, وأن تأخذ وقتها كافيا لانجاز برامجها مع مراعاة أن سيف الوقت لن يكون في صالحها بعد الأعوام ا لعجاف التي مرت علينا بعد الثورة وفي الفترة الأخيرة من حكم المخلوع. التحدي الخامس: يتعين علي وزيرة ا لإعلام الجديدة أن تعيد الروح إلي وسائل الإعلام وتحديدا تليفزيون الدولة الرسمي وتفعل الدور التنموي لوسائل الإعلام باعتبارها وسيلة من وسائل التنمية والبناء وتوحيد عناصر المجتمع وليس وسيلة من وسائل نشر الفرقة والإنقسام وتعميق الخلافات بين أبناء الأمة الواحدة, وقبل هذا وبعده العمل بهمة ونشاط لمواجهة الإعلام الخارجي الذي لاهدف له سوي نشر الأكاذيب والشائعات التي تهدف المساس بمصر والنيل من مناعتها الداخلية. التحدي السادس: يتعين علي الحكومة أن تتجنب الأخطاء التي وقعت فيها حكومة هشام قنديل وأن تدرس قراراتها جيدا وأن تتجاوب مع هموم ومشكلات الغالبة العظمي من الشعب وألا يركن الوزراءعلي تقارير المساعدين ممن درجوا علي أن يقولوا للمسئول مايود سماعه وليس مايتعين عليه سماعه. التحدي السابع: أن تعكف الحكومة علي وضع دستور جديد للبلاد يحظي بتوافق أكبر عدد من الشعب عليه ويعالج السلبيات التي تضمنها الدستور المجمد وأن يشارك في وضعه كل طوائف الشعب المصري بحيث يأتي معبرا عن التنوع الحضاري الذي يميز مصرنا عن غيرها. التحدي الثامن: أن يتم الإعداد الجيد للانتخابات البرلمانية والرئاسية وتهيئة العمل لتحول ديمقراطي حقيقي يستوعب كل ابناء الوطن ويخاصم التكويش والإقصاء أو محاباة الأهل والعشيرة وهو السبب الحقيقي الذي عجل بسقوط دولة الإخوان. التحدي التاسع: تبني خطة طموحة لإعادة تنشيط الدور الاقليمي لمصر في محيطها العربي الإفريقي والذي تأثر كثيرا في زمن المخلوع والمعزول, وهو ما تبدي في تراجع الدورالمصري لصالح دويلة قطر, وكذلك في التحدي الذي مثله سد النهضة الإثيوبي ومامثله من تراجع لمكانة القاهرة في القارة السمراء, ناهيك عن كون مصر قوة إقليمية ولاعب رئيسي في رسم سياسات الشرق الأوسط. التحدي العاشر: تصحيح العلاقة مع ا لقوي الكبري وفي مقدمتها الولاياتالمتحدة والعمل بأقصي سرعة لإنهاء التبعية المتوارثة عن نظامي المخلوع والمعزول وهو ماتبدي في سلوك القيادة الجديدة عقب ثورة30 يونيو وانتهاج سياسة ترفض اي شكل من أشكال التدخل الخارجي في الشئون الداخلية, هذه الدعوة ينبغي ألا يفهم منها انها دعوة إلي الصدام مع القوة العطمي الوحيدة في العالم من أي باب فالعلاقات المتميزة مع واشنطن لاتزال مهمة للغاية لكنها لا ولن تكون علي حساب السيادة المصرية واستقلال القرار المصري. يالها من تحديات هائلة تحتاج إلي وزراء بدرجة فدائيين لإنقاذ الوطن من محاولات جره إلي الوراء وعرقلة قطار تقدمه بكل السبل, لكن رهاننا سيظل قائما علي الحكومة الجديدة التي أفرزتها ثور30 يونيو. تلك الثورة التي فجرها الشعب واحتضنها الجيش الوطني بكل جسارة وهذا ليس غريبا علي المؤسسة التي ترتبط برباط وثيق مع شعبهالن تنجح معه محاولات الوقيعة ومؤمرات المتباكين علي ضياع سلطة لم يحسنوا يوما رعايتها ومنحها حقها من العمل مع الآخرين وشركاء الوطن وليس التكويش والأخونة وهو ما أحال حلم الجماعة في ابتلاع الوطن إلي كابوس مرعب. مرة أخري أوجه التحية للدكتور حازم الببلاوي وفريقه الوزاري وأتمني أن تتحقق أحلام البسطاء علي أيدي هذه النخبة الوطنية بامتياز, كما اوجه التحية إلي الجش الوطني الذي عرف بقدرته علي التحدي وتحويل الانكسارات إلي انتصارات وماذكري نصرالعاشر من رمضان(6 أكتوبر ببعيد) التي احتفلت بها مصر الجمعة الماضية ببعيد.