من الظواهر السياسية البارزة التي طفت علي السطح في الفترة الأخيرة تشكل جماعات متعددة من المعارضين المستقلين. وكل جماعة ربما لايزيد عدد أعضائها علي عشرين أو ثلاثين عضوا أطلقت علي نفسها اسما واختارت شخصا يتحدث باسمها يطلق عليه عادة المنسق. وهكذا تشكلت جماعة ضد التوريث لها منسق يصدر باسمها التصريحات السياسية النارية, ويزعم أن أعضاءها سينزلون الي القري والنجوع لكسب الأنصار وحشدهم. وجماعة أخري اسمها مصريون من أجل التغيير ولابد أن يكون لها منسق أيضا. ثم جاء إلينا الدكتور محمد البرادعي عقب زحمة من تصريحاته الغامضة التي لاتعرف منها هل الرجل مع أحزاب المعارضة أم ضدها, وهل سيترشح لرئاسة الجمهورية أم لا, وهل سيقيم في القاهرة دوما أم أنه سيقيم فيها بعض الوقت لارتباطه بجداول زيارات متعددة لعواصم العالم, وهل سيقبل بزعامة المعارضين المستقلين بتوكيلات أو بدون توكيلات؟ ويقال إنه في أحد اجتماعاته مع المستقلين الذين هرعوا لاستقباله في مطار القاهرة ولم يتح لهم لقاؤه, أنه طلب منهم جمع أربعة ملايين توقيع حتي يشرع في عملية للتغيير السياسي. غير أنهم أقنعوه أن يكتفي بعدد مليوني توقيع فقط. ووعدوه خيرا وقرروا النزول الي الشارع لجمع التوقيعات أو التوكيلات( قياسا علي توكيلات الوفد زمان) غير أنهم توجسوا أن عدد الموقعين ضئيل للغاية! وقد تساءل أحدهم وحتي لو جمعنا آلاف التوقيعات فماذا سنفعل بها؟! غير أنه تشكلت جماعة سياسية جديدة هي لجمعية الوطنية للتغيير برئاسة البرادعي, وأصبح لها كالعادة منسق يتحدث باسمها في كل الفضائيات, غير أنها خضوعا لمنافسات الزعامة المتعددة أصبح لها أيضا متحدث إعلامي, غير أنه ينقصها أن يكون لها في الواقع وزير للخارجية حتي لو كان وزير ظل! وفوجئنا في الصحافة الصادرة يوم الثلاثاء18 مايو2010 بأن النجوم البارزة في الجمعية الوطنية للتغيير سافروا الي الولاياتالمتحدةالأمريكية لحضور مؤتمر مستقبل الديمقراطية في مصر الذي أقامه التحالف المصري الأمريكي الذي يضم منظمات المصريين الأمريكيين. وقد عبر زعماء التحالف في لقائهم مع نجوم الجمعية المصرية للتغيير وهم وزير سابق ومستشار سابق للنقض ورئيس حزب سياسي مصري حالي وأستاذ جامعي مصري عن حزنهم العميق لرد فعل الرئيس الأمريكي أوباما المايع وغير الواضح عن مد العمل بحالة الطوارئ في مصر! (راجع نص التحقيق الصحفي الذي نشرته في المصري اليوم مني ياسين في13 مايو). يقرر الزعماء والنجوم معا أنهم قلقون من رد الفعل الفاتر من قبل إدارة الرئيس الأمريكي أوباما نظرا لأن مد العمل بقانون الطوارئ في مصر يسير في الاتجاه المضاد لكل القيم الأمريكية! وهذا التصريح وايم الله من أعجب التصريحات السياسية التي قرأتها في حياتها بحكم أن الذي أصدره قوم يعقلون! وأبادر بطرح مجموعة من الأسئلة الساذجة وهي: 1 ما علاقة الرئيس أوباما بقرار أصدرته الحكومة المصرية بمد العمل بقانون الطوارئ وبغض النظر عن سلامة هذا القرار أو خطئه؟ هل نص الدستور المصري علي أن الرئيس الأمريكي يمثل سلطة التصديق علي قرارات الحكومة المصرية؟ 2 ما حكاية أن مد العمل بقانون الطوارئ في مصر وأنا أقتبس من التحقيق الصحفي يسير في الاتجاه المضاد للقيم الأمريكية؟ أولا: ماهي هذه القيم الأمريكية؟ وهل هي مرجعية للمجتمع المصري؟ وإذا كان هؤلاء الزعماء والنجوم يقصدون أن القيم الأمريكية تركز علي الحرية, فإننا نتحداهم أن يصدروا بيانا واضحا حتي لو كان باللغة العربية يتضمن إدانة واضحة لما يلي: تعذيب العراقيين في سجن أبو غريب بالعراق. تعذيب المتهمين بالإرهاب والمعتقلين بدون أساس قانوني في معتقل جوانتاناموا الذي وعد الرئيس أوباما بإغلاقة ولم يستطع حتي الآن. وأخطر من ذلك كله استنكار وشجب القانون الذي أصدره الرئيس السابق بوش بإباحة تعذيب المتهمين في قضايا الإرهاب. موافقة الكونجرس الأمريكي علي مبدأ تعذيب المتهمين من ناحية المبدأ مع التحفظ علي أسلوب واحد فقط هو إيهام المتهمين بالغرق! ولما كان نجوم الجمعية الوطنية للتغيير برئاسة الدكتور محمد البرادعي عادة ماتكون لديهم حجج قوية لتزييف الواقع, فإنهم سيردون علينا قائلين إن هذه الانتهاكات حدثت في عهد غير المأسوف علي نهاية ولايته الرئيس السابق بوش! غير أننا سنرد عليهم من واقع مقالة كتبها صحفي أمريكي ونشرها ليس في صحيفة قومية مصرية ولكن في جريدة النيويورك تايمز الأمريكية الصحفي الأمريكي سكوت شين. ساق إلينا هذا الصحفي خبر تحول الدولة الأمريكية من دولة قانونية الي دولة بوليسية تمارس عيانا بيانا إرهاب الدولة الذي يقوم كما تفعل الدولة الإسرائيلية مع القادة الفلسطينيين الي اغتيال خصومها السياسيين! وخلاصة الموضوع أن إدارة الرئيس أوباما الذي يستنجد به زعماء التحالف الأمريكي المصري ونجوم الجمعية الوطنية للتغيير تتجه الي السماح للسلطات الأمريكية بناء علي توصية المخابرات المركزية الأمريكية باغتيال من يحملون الجنسية الأمريكية المتهمين بارتكاب حوادث إرهابية خارج حدود الدولة الأمريكية. ومعني ذلك ببساطة أن الحكومة الأمريكية بناء علي تقارير المخابرات المركزية الأمريكية تشكل خرقا لاغتيال الأمريكيين المهتمين بالإرهاب بدون محاكمة قانونية بشرط أن يكون ذلك خارج أمريكا! وقد أثيرت هذه المسألة بمناسبة رغبة الحكومة الأمريكية في اغتيال أنور العوالقي وهي يمني الأصل وداعية ديني متطرف له فتاوي بمهاجمة أمريكا والأمريكيين ويتهم بالتحريض علي عديد من حوادث الإرهاب. وهو أمريكي ولد في نيومكسيكو ويعتقد أنه يختبئ في اليمن. ويدور النقاش الآن حول أهمية اغتياله في اليمن طبقا لهذه السياسة الجديدة لإدارة أوباما والتي يطلق عليها القتل المستهدف! وللأمانة والتاريخ فإن عضو الكونجرس الأمريكي جون تيري وهو من الحزب الديموقراطي ونائب رئيس لجنة الأمن القومي عقد في28 أبريل الماضي جلسة استماع لمعارضة هذه السياسة التي تخرق كل مبادئ الدستور الأمريكي وتعارض مباديء القانون الجنائي في حق أي حثهم في محاكمة عادلة! ومعني ذلك أن زعماء التحالف الأمريكي المصري ونجوم الجمعية الوطنية للتغيير الذين يستنجدون بالرئيس أوباما ويدعونه للضغط علي مصر بمناسبة قرار مد العمل بحالة الطواريء يلجأ الي رئيس جمهورية بلد ديمقراطي قرر في لحظة يأس قاتلة أن يأمر باغتيال كل من يتهم بالإرهاب حتي ولو كان يحمل الجنسية الأمريكية بشرط أن يتم ذلك خارج حدود الولاياتالمتحدةالأمريكية حتي لاتتلوث أراضيها الطاهرة بدماء الضحايا المظلومين؟ أهذه هي القيم الديمقراطية التي يدعي الزعماء والنجوم أن القرار المصري بمد حالة الطوارئ يمثل تحديا لها؟ ويؤسفني أشد الأسف أن يكون من بين نجوم الجمعية الوطنية للتغيير أستاذ قانون تعلم علي يد أساتذتنا في كلية الحقوق مبادئ الشرعية وسيادة القانون, وأيضا مستشار سابق لمحكمة النقض سبق له أن اشتغل بالسياسة وهو علي منصة القضاء ولكنه يعرف معني مبدأ سيادة القانون. كيف لايصدرون بيانا يستنكرون فيه سياسة إدارة الرئيس أوباما في القتل المستهدف؟ وكيف يستنجدون به لمواجهة قرار مصري خالص يعالج شأنا مصريا تماما لا علاقة لأوباما به من قريب أو بعيد؟ ولكن هذه هي آفات الانحراف السياسي الذي يمكن أن يصل الي أقصي المدي كما حدث في تصريح للدكتور سعد الدين إبراهيم عضو مؤتمر مستقبل الديمقراطية في مصر والمنشور في الصفحة الأولي من جريدة الشروق بتاريخ18 مايو2010 بعنوان نشطاء الديمقراطية العرب يفتقدون بوش قاله لا فض فوه ان عادة الديمقراطية والإصلاح في الدول العربية يفتقدون الرئيس السابق جورج بوش بعد تجربتهم مع خلفه باراك أوباما خلال العام ونصف العام من حكمه! طبعا لأن الأموال الأمريكية التي كانت تتدفق علي النشطاء السياسيين المعارضين في عهد بوش توقفت, كما أن دعوة بوش للضغط علي النظام المصري تبددت في الهواء, كما تبددت أحلام هؤلاء الذين فشلوا في دفع الإصلاح السياسي في الداخل, فاندفعوا ليلقوا بأنفسهم في أحضان الولاياتالمتحدةالأمريكية التي تحولت وهم في زيارتها الي دولة بوليسية صريحة! ولن نعلق علي اقتراح بعض زعماء التحالف الأمريكي المصري بتشكيل لوبي مصري للضغط علي السياسة الأمريكية عن طريق جمع تبرعات لمساعدة المرشحين لكي يكونوا أعضاء في الكونجرس الأمريكي! فهو اقتراح في الواقع يدل علي نوع غريب من أنواع العبط السياسي!