عند مشاهدتي لتغطية فعاليات مهرجان كان التي تقدمها قناة النيل سينما سمعت المذيعة تقول إن المخرج أنيس فاردا وبالطبع هي تقصد المخرجة أنييس فاردا التي يكرمها مهرجان كان السينمائي وهي لا تعرف انها امرأة, قد يكون هذا أمرا عاديا لما نشاهد ه كل يوم في ربوع المحروسة لكن الغريب أن المذيعة نطقت اسم المخرجة المخرج وفقا لها وكأنه الاسم العربي أنيس عبيد مثلا وكأنها أو كأنه وفقا للمذيعة مصري ولد في باب الشعرية وهاجر وربنا فتح عليه ليكرمه مهرجان كان في النهاية, ومحدش عنده خبر.. الغريب انه عندما جاء اسم المخرج الكبير عباس كيروستامي نطقته المذيعة كيروبستاني, لعلها لا تعرفه؟ إذن ماذا تفعل في كان وأين الاستاذ الكبير الذي يظهر اسمه علي افيشات البرنامج كمعد. لكني ادركت في النهاية ان الموضوع له منحي اخر ليس هو بالتأكيد ما يدور في ذهني من كون ان هناك حدثا عالميا لأهم مهرجان سينمائي في العالم وعلينا التليفزيون المصري ان يكون علي مستوي الحدث, فالموضوع ليس سوي سبوبة وسفر وبدل سفر وفسحة. فكل, او لكي لا أبالغ معظم القضايا في وطننا العزيز مصر اصبح يتم تناوله من هذا الجانب, وبالطبع الثقافة والسينما من اهم مجالات السبوبة و بالتحديد عندما يكون الأمر علي حساب صاحب المحل اي الدولة, والا فليفسر احد لي, كيف يسافر فريق عمل مهول إلي كان ليقوم بقراءة الاخبار من الجرائد, هذا يمكن ان نفعله كلنا من منازلنا, وعندما تكون هناك لقاءات فهي تتم مع افراد من خلال سوق مهرجان كان او مع المارين علي الشاطئ, ولا يوجد ريبورتاج ولانبذه تاريخية عن المهرجان ولا عن المشاركين فيه وما حدش واخد باله المهم نروح بالسلامة ويكون عندنا وقت نشتري حاجات حلوة نرجع بيها. هذا السلوك ملازم لنا ولاعلاقة له بطبيعة النظام السياسي الذي يحكم مصر في اي وقت من الاوقات بالرغم من اعترافنا من ان حدته ترتفع وتخفت من عصر لعصر ولكنه موجود ومستمر من الملكية للناصرية للساداتية حتي عصرنا المجيد هذا. مرت كل تلك الافكار في ذهني وأنا اقرأ البيان الذي هو عن توقيع اتفاقية بين الجانب الفرنسي وجهات السينما المعنية في مصر علي راسها المركز القومي للسينما وغرفة صناعة السينما وبعض الأسماء المعروفة في مجال الانتاج السينمائي بل وبعض الموزعين الخليجيين... الاتفاقية وفقا للبيان تشمل كل مجالات النشاط السينمائي المشترك كالتمويل نقل الخبرات التوزيع الارشيف وحماية التراث..... الخ. بالطبع فإن عقلية الموظفين ومنتجي السينما من أموال النفط تتصور ان معاملة السينما المصرية معاملة الدولة الاولي بالرعاية سينقلها للعالمية وانها ستقتحم المهرجانات العالمية ومش بعيد تاخد أوسكار ومن هنا كانت الضجة حول الاستفادة من علاقات الدولة وعلاقات وزيرها فاروق حسني التي كانت بمثابة طوق النجاة لسينما دخلت غرف الانعاش من بعد الأزمة الاقتصادية وجفاف آبار التوزيع النفطي وتراجع سوق القنوات الفضائية التي كانت قد انعشت السينما المصرية طوال عقد كامل, وبالطبع هذا الوهم الكبير لن يتحقق في ضوء العقليات السائدة ومنطق السبوبة المنتشر كالسوس في الجهاز الثقافي الحكومي, وبالطبع لن اتكلم عن الفساد فهذا يدخلنا في مجال الاتهامات.. و الاتهامات التي تلقي جزافا دون أدلة وبراهين ووثائق يحاسب عليها القانون. لكن دعونا نري المشهد بوضوح هل يمكن اختراق العالمية من قبل شركات خاصة تدفع لتؤجر سجادة حمراء في مهرجان كان يمشي عليها الممثلون لتمثيل دور المدعوين بمهرجان كان, وينفق ببذخ من أجل نيل جوائز مهرجانات وهمية من اجل ان تصل للعالمية؟ اشك. إن أي شخص يملك النقود يمكنه عرض فيلمه في صالة في باريس. لكن من سيذهب لمشاهدتها؟ هل احتاج كيروساتامي او محسن ميخملباف او بناهي لهذه المعاملة لكي يعرفهم الجمهور الاوروبي, فن السينما الايرانية هو ما فرض نفسه علي العالم بالرغم من اعتبار احد كبار النقاد المصريين انها سينما سيئة لأنها سينما محجبة وهو ما يعتبر حكما قيميا سياسيا مماثلا لحكم من يسعون لسينما نظيفة , فليست هناك سينما نظيفة وسينما قذرة ولكن هناك سينما جيدة وسينما دون المستوي. هل احتاج وانج كار واي أو امير كوستاريكا لدعم الاتفاقيات بين الدول لكي يهرع الجمهور الاوروبي لصالات العرض من اجل مشاهدة آخر اعمالهم. بالمثل المخرج المصري الكبير الذي احتفي المهرجان به العام الماضي.. شادي عبد السلام وهو الوحيد الذي قرر سكورسيسي و منظمته ترميم افلامه فيلمان وهما كل ما صنع, طويل وقصير وكان ومازال لا ينال حقه في بلده الأم, بل هناك من كبار النقاد سنا طبعا ممن يستغربون كل هذه الضجة العالمية حول الراحل شادي عبد السلام, الذي لم يساعده احد وهوجم كما لم يهاجم احد.. ومازال ولكنه هو درة السينما المصرية التي تضيء علي قمة ركام الافلام التجارية الغثة في كل اوروبا دون الحاجة لدعم فاروق حسني و خبرائه واتفاقياته الاوروبية, كما ان السعي للانتاج المشترك يجعلنا نطرح السؤال هل مشكلة الافلام المصرية هي انخفاض تكاليف انتاجها او حاجتها للتمويل, اعتقد ان الفيلم السري الذي انتجته وزارة الثقافة تحت اسم المسافر لخير دليل علي عدم صحة ذلك حيث ارتفعت تكاليف انتاجه لتقترب من30 مليون جنيه دون ان يلقي اي قبول عالمي, بالرغم من الضغوط الحكومية التي سمحت له بدخوله مهرجان فينسيا من بعد اعادة مونتاجه علي يدي مونتير المخرج الكبير بيرتوليتشي, وفاز في هذه الدورة فيلم اسرائيلي لمخرج مبتدئ. الفن لا تصنعه الاتفاقيات بين الدول ولا النقود و لا عقلية الموظفين ومقاولي الهدد, وبالطبع ولا الاموال والا كانت دبي هي أهم دولة لصناعة السينما في الوطن العربي. اما الكلام عن السينماتيك و أرشيف السينما الذي يلوح البيان بإقامته بالتعاون مع فرنسا, فلا اعتقد ان بعد مشكلة شركة الصوت والضوء و فكرة اقامة الارشيف في مول تجاري علي ارض الدولة مع الوليد بن طلال صديق ماردوخ الصهيوني وقناة فوكس, كما ذكرت الزميلة نسرين الزيات في جريدة روزاليوسف يبشر بأي امل, فتلك عقليات لا تصنع فنا ولاسينما ولا ارشيفا بل عقليات مقاولين هدد و تسقيع اراض وباحثين علي سبوبة. الفن لن تصنعه لنا فرنسا ولا اي خواجة كائن يكون طالما نحن بعيدون كل البعد عنه وعن اصول العمل الابداعي سواء كان اداريا او فنيا وتسيطر علي صناعة الثقافة عندنا زمرة موظفي الحكومة الواصلين للمناصب بطرق ليست الكفاءة احدها. [email protected]