كنت قد تحدثت في المقال السابق عن تكرار كلمة "جعل" أربع مرات في الأولي كانت تخص الأرض وإمكاناتها ومحتواها ومكوناتها في قوله تعالي: (أمن جعل الأرض قرارا وجعل خلالها أنهارا وجعل لها رواسي وجعل بين البحرين حاجزا أإله مع الله بل أكثرهم لا يعلمون) النمل 61 ويبرز المشهد الرباني المتتابع ويتضح في أجل صورة في الجعل الثاني والذي ينصب بشكل أساسي علي الأنهار (وجعل خلالها أنهارا) والتي تمتد عبر الكرة الأرضية في شبكة ضخمة شمالها وجنوبها شرقها وغربها تبدأ من المنبع وتنتهي إلي المصب ويتم توزيعها علي امتداد الأرض فتتحول إلي شبكة ضخمة من الأنهار الصغيرة والمتوسطة والكبيرة والتي قدرت بحوالي أكثر من مائة نهر غير فروعها من مختلف الأطوال والمساحات بحيث تغطي الكرة الأرضية وتكفي احتياجات البشر وسائر الكائنات الحية من احتياجاتها من الماء العذب الذي يشكل حوالي 3% من مجموع المياه الموجودة علي سطح الكرة الأرضية والتي معظمها مياه مالحة بنسبة 97% خاصة إذا علمنا أن مساحة الأرض التي تشغلها المياه تقدر بحوالي 361 مليون كم مربع بنسبة 71%. فنهر النيل مثلا يعتبر أطول أنهار العالم فيبلغ طوله 6650 كم ومساحته قدرها 3.4 مليون كم مربع ويخرج من المنبع في اثيوبيا وأوغندا ويمر علي دول المنبع الأخرى لينتهي في مصر والسودان بحيث يغطي كل حاجات هذه الدول التسع من احتياجاتها من المياه العذبة دليل علي جعل هذه الأنهار تشق الأرض في كل الاتجاهات بأمر الله سبحانه وتعالي حتي توفر مصدر الحياة الثاني بعد الهواء وهو الماء وكلاهما ضروري وأساسي لمصدر الحياة. الثالث وهو الطعام. ويبرز المشهد الرباني المتتابع في الجعل الثالث وهو الخاص بالجبال (وجعل لها رواسي) فالجبال الرواسي كتل ضخمة من الأحجار والصخور والرمال امتثلت طائعة ومختارة لأمر الله ولم تتأب عليه كما تأبت وأشفقت علي نفسها من حمل الأمانة التي عرضها الله عليها مع السموات والأرض قال تعالي: (إنا عرضنا الأمانة علي السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولا) الأحزاب 72 فالجبال قبلت مسئولية الحفاظ علي استقرار الأرض وتوازنها التي حملها لها الله سبحانه وتعالي عن طيب نفس ورضا خاطر فقامت بمسئوليتها علي أكمل وجه في الحفاظ علي هذا التوازن وذلك الاستقرار وحمت ما عليها من مخلوقات ابتغاء مرضات الله سبحانه وتعالي. وحسب المركز العالمي للرصد والحفظ تغطي الجبال مساحة 64% من قارة أمريكا الجنوبية و22% من قارة أوروبا و25% من قارة آسيا و17% من قارة استراليا و3% من قارة افريقيا وعلي ذلك فإن 24% من مساحة الأرض الإجمالية جبلية و 10% من الناس يعيشون في المناطق الجبلية ومعظم الأنهار في العالم تتغذي من المصادر الجبلية وأكثر من نصف البشرية يعتمدون علي الجبال في الحصول علي المياه ويبرز المشهد الرباني الممتع في الجعل الرابع الخاص بالحاجز الموجود بين المياه المالحة والمياه العذبة (وجعل بين البحرين حاجزا) وهو الذي يفصل الماء العذب الصالح للشرب عن الماء المالح الذي لا يصلح لذلك والحديث عن وجود حد غير مرئي بين الماء العذب والماء المالح هو في ذاته معجزة فمن يمنع اختلاط الماء العذب بالماء المالح والعكس، إنها قدرة الله سبحانه وتعالي بغض النظر عن المصالح والمفاسد المترتبة علي ذلك. ومن هنا نجد أن قرار الأرض ناتج من حفظ الجاذبية لها والحفاظ عليها بمشيئة الله سبحانه وتعالي ولو حدث خلل في الجاذبية الأرضية لانقلبت الحياة رأسا علي عقب وما صلحت لسكني البشر وباقي الكائنات، فلو كانت جاذبية الأرض مثلا أقل مما هي عليه الآن مثل القمر فإن الإنسان سيخف وزنه وبالتالي يطير في الهواء عند أي حركة ومعه تطير كل الكائنات الأخرى ويتبخر الماء من البحار فلا تبقي قطرة ماء واحدة. رابط دائم :