بمجرد انتهاء فترة الدراسة يجد الطلاب أنفسهم أما امتحانات نهاية العام وهي أهم مرحلة خلال العام الدراسي فهي التي ستحسم مصيرهم وعند اجتيازها يصلون للهدف المنشود وهو الحصول علي الشهادة الداراسية, ووقتها يجني كل طالب ما قدمه طوال العام من جهد ومذاكرة. وتختلف صور الاستعداد لهذا اليوم من طالب لآخر والطبيعي أن يستعد الطالب المخلص بالاعتماد علي نفسه وأن يخلص في مذاكرته ويتخذ السبل المشروعة في تحصيل دروسه حتي يكون علي أتم استعداد لهذا اليوم وهو يعي تماما مدي أهمية الأمانة وعدم سرقة مجهود الغير, وفي المقابل هناك طلاب اعتادوا علي الكسل ولديهم المهارة في سلب مجهود الغير واتخاذ جميع السبل غير الشرعية ومنها الغش وما أكثر طرقه وصوره التي استحدثت أخيرا للحصول علي ما ليس لهم بحق ليتساووا حينها مع اجتهاد وسهر الليالي. ويري الدكتور محمد الشحات الجندي أستاذ الشريعة الإسلامية بجامعة حلوان, وعضو مجمع البحوث الإسلامية أن الغش من الآفات التي ابتليت بها المجتمعات المتخلفة, وله أثر مدمر علي الفرد والمجتمع, مشيرا إلي أنه محرم شرعا بمقتضي نصوص صريحة في الإسلام لقول رسول الله صلي الله عليه وسلم: من غشنا فليس منا والمكر والخداع في النار. ويضيف الجندي من يتابع مسار الأحداث في مصرنا الحبيبة والدول العربية والإسلامية يجد للأسف الشديد أن هناك تراجعا كبيرا في الأداء الجماهيري المتعلق بخدمة المجتمع ونموه ومرده في الغالب الأعم نقص التأهيل واللجوء إلي وسائل الغش والخداع في الحصول علي الشهادات العلمية التي تفترض أن من يحصل عليها مؤهل للأعباء الوظيفية والمرفقية والحياتية وذلك بسبب تفشي ظاهرة الغش وعدم وجود إجراءات رادعة لمن يلجأ لهذه الوسيلة غير المشروعة, لذلك يصدق علي هؤلاء الخريجين وما أكثرهم في العقود الأخيرة المقولة الشائعة: فاقد الشيء لا يعطيه. فمن يتقلد موقعا أو منصبا حصل عليه بطريق الغش أو الخداع يعلم يقينا أنه حصل عليه بطريقة غير مشروعة وبالتالي يسهل عليه أن يتورط في فساد ويتركب الغش في أعباء مهنته أو متطلبات عمله. ويقول الدكتور الجندي أن الشريعة الإسلامة تشدد علي ضرورة أن يكون الإنسان علي دراية وعلم ومعرفة وأن يستوفي المتطلبات اللازمة لأي موقف يسند إليه, ويؤكد في هذا الصدد علي أهمية العلم وما ينبغي أن يتوافر في طلاب العلم طلب العلم فريضة علي كل مسلم ومسلمة كما يقول الحديث الشريف. وأشار الجندي إلي أن الشريعة تعتبر أن من يرتكب الغش في أي موقع من المواقع سواء الامتحانات أو أداء الخدمات أو الحصول علي ما ليس للإنسان بحق تعتبره نوعا من الخيانة والفساد وينطبق عليه قوله تعالي:( ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويشهد الله علي ما في قلبه وهو ألد الخصام وإذا تولي سعي في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد) البقرة: الآية205,204. ويعد الغش أيضا خيانة للأمانة لأن المجتمع والنظام الشرعي يقضي بأن يتعامل الإنسان بصدق وبحق وألا يلجأ إلي الغش والتدليس فمن لجأ إلي أي من هذه الوسائل فقد خان الأمانة مخالفا بذلك قول رسول الله صلي الله عليه وسلم: أد الأمانة إلي من ائتمنك ولا تخن من خانك, لذلك فإن واجب المجتمع في كل مناحي الحياة أن يشيع ثقافة الصدق والأمانة, وأن يحذر من ثقافة الغش والخيانة, ويضرب بيد من حديد علي الغشاشين الذين يسيئون إلي أنفسهم ووطنهم ودينهم. ويضيف الشيخ عبد الحميد الاطرش أمين عام الدعوة بالأزهر ورئيس لجنة الفتوي سابقا الغش في الامتحانات من أقبح الأمور, مشيرا إلي أن الطالب الآن يتخرج في الجامعة وهو لا يحسن شيئا وربما تكون الواسطة هي التي أهلته وهيأت له أن يحصل علي الدرجة العلمية, ولعلنا نري في حياتنا العملية أن اناسا حصلوا علي أعلي الدرجات العلمية والعلم منهم بريء لدرجة جعلته يحكم الناس بهواه. ولفت الدكتور الأطرش إلي أن النبي صلي الله عليه وسلم حذرنا من هؤلاء حيث قال: إن الله لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من الناس, ولكن يقبض العلم بقبض العلماء حتي إذا لم يترك عالما اتخذ الناس رءوسا جهالا فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا. وقال الأطرش إن الغش يعتبر شهادة زور لأنه يؤخذ بغير حق ويحرم منه صاحب الحق الحقيقي و ويقول الله عز وجل:( فاجتنبوا الرجس من الأوثان واجتنبوا قول الزور) سورة الحج الآية:30, لافتا إلي أن الذي يشارك في الغش ويساعد عليه فإنه بذلك يشارك في هدم الكعبة لأنه يهدم الإسلام. وعن دور المعلم في محاربة ظاهرة الغش أوضح الأطرش أن كل شيء بيد المعلم وعليه عندما يدخل الفصل أن يؤدي عمله مراقبا الله عز وجل, أما المعلم الذي يدخل فصله ولا هم له إلا مصلحته فقط بذلك يقوم بالغش, وإذا حدث وسمح المعلم للتلاميذ بالغش فهو خائن لنفسه ولوطنه. أما عن دور الأسرة تجاه هذه الظاهرة فيجب علي الأسرة أيضا أن تغرس في نفوس الأبناء الاعتماد علي النفس وحب العلم والإخلاص في العمل ومحاسبتهم علي التقصير أولا بأول, وتربيتهم علي أن الغشاش ليس من أمة محمد صلي الله عليه وسلم. وشدد الأطرش علي أنه يجب علي الجميع حل هذه المشكلة بإيقاظ ضمائر الآباء والأمهات والمعلمين, فضلا عن ضرورة وجود رقابة صارمة علي الأولاد الذين يعتمدون علي الغش ويتم حرمانهم مما يحصلون عليه من مكافآت حتي يكونوا عبرة وعظة لغيرهم. ويقول الدكتور طه أبو كريشة الأستاذ بجامعة الأزهر وعضو مجمع البحوث الإسلامية ان الغش بصفة عامة في غير الامتحانات يعد أمرا مرفوضا ومؤثما ومن الكبائر ذلك لأن الغش في أي شيء تترتب عليه آثار ضارة بالمجتمع, فمثلا إذا كان الغش في الطعام لأدي إلي الهلاك والمرض وفقدان الحياة, وإذا كان الغش في المركبات أيا كان نوعها فإن ذلك يعرض راكبيها إلي الموت المحقق. ويضيف أبو كريشة أنه إذا وقفنا عند موضوع الغش في الامتحانات فإنه بغير شك يؤدي إلي عواقب وخيمة لأنه سوف يجعل من يغش يتقدم علي غيره ومع الأيام قد يكون في موقع أو في منصب ليس أهلا له من خلال مستواه العلمي الضعيف في الأصل ومن شأن ذلك أيضا أن يجعل هذا الذي تقدم علي غيره غير بصير بما يأخذ من قرارات وبما يوجهه من توجيهات وبما يبدي من أداء بأن صاحبها لا يملك العقل الحقيقي الذي يتساوي مع الشهادة التي أخذها وهو ليس أهلا لها وفي الوقت نفسه فإنه يؤدي إلي عدم تكافؤ الفرص بين الخريجين حيث يتقدم الضعفاء في الأصل ويتأخر الاقوياء الذين التزموا بالجد والاجتهاد وعدم الغش. وتابع أبو كريشة إذا نظرنا إلي هذه الأمور كلها سواء أكانت في الامتحانات أو غير الامتحانات فإن المردود النهائي سوف يعود علي المجتمع كله بكثير من الأضرار المادية وكثير من الأضرار المعنوية التي لا تصل بالمجتمع إلي المستوي الذي يجعله متكافئا مع المجتمعات المتحضرة الراقية التي التزمت بالجد والاجتهاد والبعد عن الزيف والغش في أي مجال من مجالات الحياة. وأوصي الدكتور أبو كريشة أولياء الأمور الذين لديهم أبناء في المدارس والجامعات أن يكونوا يقظين لأي محاولة من محاولات الغش حتي يمنعوها في مهدها وبذلك يكونون فاعلين ومؤثرين حقا في تكوين الجيل الصالح ويتحملون رسالة بناء الوطن وحمايته والسير بهم إلي الأمام في طريق الترقي والاختراع وما شابه ذلك من الأمور التي تتقدم بها الحياة.