تأملت الوجوه التي حضرت مؤتمر دعم الأزهر بنقابة الصحفيين مساء الخميس الماضي فلم أجد منها وجها واحدا, علي المنصة ولا في القاعة, كان له سابق صلة بالأزهر تؤكد حرصه عليه وولعه به وحبه فيه, بل العكس, إذ كانت غالبية المتحدثين من اتجاهات علمانية لاتقيم لهذه المؤسسات الدينية العريقة وزنا ولاترحب بالخطاب الديني سواء كان من الأزهر أو غيره من المؤسسات. إذن ماذا تغير في الوجود ولماذا انتفض هؤلاء للدفاع عن الأزهر؟ ولماذا نظموا خلال الأسبوع الفائت مظاهرات ومؤتمرات وأذاعوا تصريحات مؤيدة للأزهر ولشيخه؟ الحقيقة أننا أمام مشهد ملتبس دخلت فيه السياسة بقوة علي الخط, حيث أصبحت كلمات الحق التي يراد بها باطل هي السلعة الرائجة للاشتباك السياسي وتصفية الحسابات. وإذا صح تعليق الخلافات السياسية علي أي شماعة, سواء كانت هذه الشماعة شخصا أو مؤسسة فلا يصح أبدا اتخاذ مؤسسة الأزهر, القيمة والقامة, كشماعة لتفويت مواقف سياسية أو تصفية مواقف. من يشاركون اليوم فيما يعتبرونه دفاعا عن الأزهر يسيئون إليه وإلي تاريخه بدفاعهم هذا, لأنهم لم يكونوا يوما ما من المرحبين بدور الأزهر ورسالته, وبعضهم من غلاة العلمانيين المتشددين الذين يكرهون الدين ومن ثم يكرهون وجود الأزهر ذاته, كما أن انضمام أشقاء مسيحيين لأول مرة في التاريخ- لهذه المؤتمرات والتظاهرات أمر يثير الدهشة والاستغراب, في حين أن من تكال لهم التهم الآن من جماعات الإسلام السياسي بأنهم ضد الأزهر وشيخه كانوا هم أول المدافعين عن الأزهر وتاريخه والمطالبين باستقلاله, بل اتفقت الدعوة السلفية وجماعة الإخوان المسلمين علي أن يكون الأزهر هو المرجعية النهائية لشئون المسلمين في مصر أثناء نقاشات الجمعية التأسيسية حول الدستور. هذا الاعتراك السياسي, وهو اعتراك يبرأ منه الأزهر وشيوخه, شجع الفلول أيضا فبدأوا المزايدات رافعين لافتة الأزهر والكنيسة خط أحمر, محذرين من الأخونة التي باتت كقميص عثمان, يتخذها البعض مبررا لأي زيغ في الرأي أو انحراف في الفكر أو تضليل للرأي العام. وبدلا من أن يشارك الجميع في درء المفاسد وتصحيح الأوضاع في مؤسسات الدولة ومنها مؤسسة الأزهر بطبيعة الحال, تفرغوا للشقاق والشتائم والمزايدات الرخيصة وتصفية الحسابات, بدليل أن من يقفون إلي جوار شيخ الأزهر الآن كانوا من أشد منتقديه, ومن يقفون ضده الآن- إن صحت هذه الرواية أصلا- كانوا هم خط الدفاع عن الأزهر جامعا وجامعة, لكن الحقيقة لابد أن تظهر يوما ما بعد أن تضع هذه الحرب الكلامية أوزارها. الأزهر نفسه نفي بشكل رسمي وفي أكثر من مناسبة عقد اي صفقات مع اي جهة أو اي أشخاص وأنه لم يطلب شيئا غير التأكيد علي حقيقة وضعه التاريخي واستقلاله الكامل في الدستور الجديد, والمادة الرابعة من الدستور الجديد تنص علي أن: الأزهر الشريف هيئة إسلامية مستقلة جامعة, يختص دون غيره بالقيام علي جميع شئونه, ويتولي نشر الدعوة الإسلامية وعلوم الدين واللغة العربية في مصر والعالم. ويؤخذ رأي هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف في الشئون المتعلقة بالشريعة الإسلامية وتكفل الدولة الاعتمادات المالية الكافية لتحقيق أغراضه وشيخ الأزهر مستقل غير قابل للعزل, يحدد القانون طريقة اختياره من بين أعضاء هيئة كبار العلماء, وكل ذلك علي النحو الذي ينظمه القانون, فلماذا المزايدات الآن؟ الموضوع فيه تفاصيل كثيرة بلا شك, لكني أقول للجميع وبكل وضوح: ارفعوا أيديكم عن الأزهر واتركوه لشأنه لينظم أموره ويحصن نفسه من الاختراق الحزبي والسياسي, فالأزهر يجب أن يملك قراره ويتمتع باستقلالية تعفيه من أي أعباء أو ضغوط, خاصة في مرحلة مابعد الثورة, ليعود منارة علمية وحضارية للعالم كله, ويحفظ وسطية الإسلام التي كان حارسا عليها ومضطلعا بها طول التاريخ.