يبدو أن الخروج عن القيم والبلطجة أصبح هو شعارنا حاليا, نعم كانت موجودة قبل الثورة, ولكنها زادت إلي حد كبير بعد25 يناير, وإذا كانت أيام الثورة ال18 قدمت تجربة مصرية رائدة في التلاحم والتعاون والشفافية وحب الوطن, فإن المرحلة الانتقالية التي لا تزال مستمرة, قد أخرجت أسوأ ما في المصريين. فبعد التلاحم والتوحد والشفافية, طغت الفرقة, وساد الخلاف, وسيطر الغموض, وحلت الأنانية بدلا من التكاتف, وغابت القيم وسادت البلطجة, بعد أن تاهت الثورة وماتت أهدافها, ومن المظاهر السيئة التي فجرتها المرحلة الراهنة سيطرة أراجوزات الإعلام علي الساحة. ومعروف أنه كلما انتشر الغموض وغابت الحقيقة ساد الجهل, وكانت الغلبة للمهرجين والبهلوانات, وأدمن الناس فنون السيرك والفرجة علي الأعمال الساخرة, لعلها تخرجهم من إحباطهم, وللأسف يعرف المهرجون علي شاشاتنا الفضائية هذه النقطة جيدا واستغلوها لضرب الثورة, وهدم الوطن, مشعلين نيران الفتنة من خلال السخرية والضحكة الخبيثة الصفراء. ويتجلي ذلك بعيدا عن برامج التوك شو المسمومة, في برامج( إبراهيم عيسي وباسم يوسف وأحمد آدم) الذين يقومون حاليا بمهمة نشر الإباحية وهدم القيم, وإفساد الذوق العام من خلال وصلات ردح وحركات بهلوانية وتهريج سخيف وممجوج, يطال في الغالب القيم الدينية ويحقر من الفضيلة, وينشر الألفاظ الخارجة والخادشة للحياء, حيث تحول هؤلاء إلي قردة يجلسون أمام الكاميرات ويعجنون عجين الفلاحة, المخلوط بهزل السياسة القبيح. وكان يمكن أن تكون هذه البرامج مفيدة للشعب وللوطن, لو سخرت من سلوكياتنا المعيبة, أو ضحكت من أمراضنا الاجتماعية, وقدمت للناس عيوبهم, وشخصت أمراض المرحلة من فوضي وبلطجة, وأنانية, وخروج علي النظام, مثلما كان يفعل المضحكون العظام من أمثال نجيب الريحاني وعلي الكسار وإسماعيل ياسين وغيرهم, الذين لم يسخروا من أحد, ولم يحقروا من رمز من رموز الوطن, ولكنهم كانوا يحللون الأمراض ويصفون لها الدواء من خلال الضحك النظيف والسخرية الهادفة. أما ما نراه من شتائم وشقلبات وحركات مسفة, في برامج بني آدم شو وهنا القاهرة والبرنامج ما هو إلا إسفاف ومرمغة لسمعة مصر وسمعة رموزها في وحلنا الإعلامي, الذي طال للأسف ديننا الإسلامي الحنيف, وراح أراجوزات الفضائيات يركلون القيم بأرجلهم, ويهيلون التراب بكواريك ألسنتهم علي ما بقي فينا من معان جميلة لم تفقد بريقها, ولم تجرفها الثورة المضادة بعد. والغريب أن عود هذه البرامج البهلوانية اشتد وقوي بعد تولي مرسي الرئاسة, وسيطرة الاسلاميين, وراحت تغدق الفضائيات عليهم الأموال للنيل من الإسلاميين من خلال السخرية من الرئيس الذي يحاربونه فقط لكونه ينتمي للإخوان المسلمين, وراح ثلاثي الأراجوزات الفضائي يتبارون في توجيه الشتائم والسباب لمرسي بعيدا عن قيم الإعلام ومبادئه التي تناسوها تماما. وأعتقد أن مجانين الشهرة الإعلامية الذين انساقوا وراء شهوة الفضائيات رأوا أن شتم وسب مرسي بكل الأوصاف البذيئة أصبح موضة الشجاعة هذه الأيام, وعجزوا حتي أن يجاروا برامج الكوميديا السياسية المتعارف عليها في الغرب والتي تنتقد الحكومات والمسئولين, كتلك التي تنال من أوباما في الولاياتالمتحدةالأمريكية, لكنها سخرية جادة غير مهينة للشخصيات ولا تحط من كرامتهم, وتؤدي دورا معارضا غاية في الأهمية في الدول الديمقراطية. ولعل هذا ما دعا المستشار مرتضي منصور, أن يقول انه سيتقدم بدعوي قضائية ضد قناة ال'cbc' والإعلامي باسم يوسف يطالب بإغلاقها وذلك لما يقدم علي شاشتها ببرنامج البرنامج من ألفاظ خارجة وبذيئة تكسر القيم الإسلامية بالمجتمع المصري. وإذا كان البعض قد هاجم الرئاسة لرفعها قضايا القذف والسب ضد بعض الصحفيين لتعرضهم لمرسي بالشتائم والسباب, واصفين البلاغات المقدمة من الرئاسة ومن المحامين التابعين للتيار الإسلامي بأنها محاولة من جماعة الإخوان لإرهاب الإعلاميين وتخويفهم, ومع أنني أرفض تماما أي إرهاب للفكر وحرية الرأي, إلا أنني كنت أتمني ألا يهبط الإعلام إلي هذا المنحدر, وكان من الضروري أن نقوم أنفسنا وأن نلتزم بآداب وقواعد ميثاق الشرف الإعلامي, لأن مثل هذه البرامج تخترق الخط الرفيع الفاصل بين حرية الإبداع والسب والقذف, كما أن باسم يوسف وأحمد آدم وإبراهيم عيسي وغيرهم لم يفرقوا ما بين السخرية المقبولة وما بين السب والقذف والإهانة. قسم الآثار كلية الآداب جامعة عين شمس رابط دائم :