الاسكندرية مدينة لها مذاق خاص, فهي نسمة البحر الجميلة في الصيف, وفي الشتاء تجيئها نوات صاخبة, فيغشاها البحر هائجا, ثم ما تلبث أن تغتسل تحت رذاذ المطر, وتهدأ حين تشرق الشمس كعروس منتشية تستقبل نور الصباح. الإسكندرية هي الميناء الرئيسي لجمهورية مصر العربية, يمر من خلالها80% من التجارة البحرية في مصر, وتتركز فيها نحو40% من حجم الأنشطة الصناعية المصرية و60% من الأنشطة البترولية في الوطن, كما يوجد بها صناعات الحديد والصلب والمعادن والبتروكيماويات والصناعات الغذائية والغزل والنسيج والمنتجات الورقية, وغيرها, بها الجامعات الحديثة والمعاهد العليا, وبها مكتبة الاسكندرية الحديثة التي خرجت فكرة إحيائها من الجامعة الأم( جامعة الإسكندرية), وتلك قصة تستحق أن توثق وتروي لولا ضيق المقام. الاسكندرية مهد العلوم والحضارة, فيها تستنشق عبق التاريخ, أشرقت بشعاع المعرفة علي الدنيا حين كشف علماؤها عن طبيعة الكون, درسوا الفيزياء والرياضيات والفلك والجغرافيا والهندسة, فضلا عن التاريخ الطبيعي والطب والأدب, وكانت جامعتها القديمة مصدر جذب لجميع طلبة العلم في العالم بأسره, وكانت شهادة الدراسة بها مسوغ تعيين في أي مكان بالدنيا. فيها عاش إقليدس مؤلف كتاب العناصر ذي النظريات الهندسية, وأرشيميدس, صاحب النظرية المشهورة في الكثافة النوعية, وفيها تكونت أول فكرة علمية واضحة عن الجهاز العصبي, وحدد علماؤها حجم الشمس والقمر, وقدروا طول الشهر القمري, والسنة الشمسية, وكانوا أول من حسب محيط الكرة الأرضية, وأول من قال بدوران الأرض حول الشمس!! ها هم أحفاد الاسكندرية يصنعون التاريخ مرة أخري, ففي احتفالية رصينة بجامعة الاسكندرية( السبت2 مارس), جاء الشباب الذي صنع الثورة ليقطف واحدة من ثمراتها, فها هي الدولة تمنح الأفكار النابعة من العقول الشابة دعما وتمويلا لتنفيذ مشاريع التخرج لطلبة السنة النهائية بالجامعات المصرية. العقول النابهة بجامعة الاسكندرية فازت بالمركز الأول من بين16 جامعة حكومية وخاصة تقدمت لمبادرة أكاديمية البحث العلمي والتكنولوجيا لدعم مشروعات التخرج في كليات الهندسة والعلوم, حيث تستهدف تلك المبادرة تحقيق مخرجات ابتكارية جديدة تخدم المجتمع وتؤدي لتوفير فرص عمل وإنشاء شركات صغيرة أو متوسطة وتشجيع الطلاب علي فكرة ريادة الأعمال والنشر العلمي. تحدث نائب رئيس جامعة الاسكندرية عن ركائز ثلاث لنهضة علمية مرجوة في الوطن: الحاجة لرؤية قومية شاملة للبحث العلمي, وضرورة التوجه للبحوث العلمية الهادفة والوصول بها لمرحلة التطبيق, والتعاون العلمي بين الأقران ومع المدارس العلمية المختلفة. وبين رئيس الأكاديمية ملامح استراتيجية العلوم والتكنولوجيا في مصر لبناء هرم من العلم والتكنولوجيا, قاعدته العلماء الشبان وبحوثهم التي تثري المعرفة, ويرتفع بنيان الهرم حين يصل لمحاولات التطبيق والنماذج نصف الصناعية, أما قمة الهرم فهي نجاح التطبيق والوصول بالبحوث إلي خط الإنتاج, كما شرح برامج الأكاديمية المتنوعة التي تدعم البحوث العلمية الهادفة لحل مشاكل الصناعة والاهتمام بالابتكارات التي يقوم بها الحرفيون وأصحاب الصناعات الصغيرة, وأشار إلي ارتفاع التمويل للبحث العلمي في ميزانية الدولة من اثنين إلي ثمانية في الألف, وطموح العلماء في الوصول إلي اثنين في المائة. كما تناول دور جامعة الاسكندرية في خريطة البحث العلمي المصري والعالمي بالتحليل, وأشار إلي مواطن القوة البحثية التي شملت مجالات هندسة الحاسوب, والكيمياء والطب, فضلا عن البحوث النظرية التي تلقي اهتماما حين يتم ترجمتها إلي اللغات الأجنبية. تحدثت مديرة الشبكة القومية للمعلومات بالأكاديمية عن دعم بنية هرم والعلوم بقواعد البيانات والمعلومات ودعم النشر العلمي وتطوير الدوريات العلمية المحلية ليتم نشرها من قبل دور النشر العالمية, كما أشارت إلي دعم الأكاديمية للجمعيات العلمية غير الحكومية. تحدث رئيس الجمعية العربية لعلوم المواد, وهي إحدي الجمعيات التي تعد نموذجا للتعاون بين الجامعة والصناعة وسفير مصر العلمي في العالم العربي, ولقد لقيت دعما وتأييدا من كل من جامعة الاسكندرية والأكاديمية, وبين نشاطها من الإصدارات العلمية والمؤتمرات العربية والدولية, والندوات الثقافية, والأنشطة التدريبية, فضلا عن منحها لجائزة لأفضل بحث علمي أجري في معامل عربية. قام رئيس أكاديمية البحث العلمي والتكنولوجيا ونائب رئيس جامعة الاسكندرية للدراسات العليا والبحوث في حضور عميد كلية الهندسة, وعميد معهد الدراسات العليا والبحوث, بالتوقيع علي عقود المنح والتي بلغت17 مشروعا للتخرج في مجالات الهندسة البحرية والنووية والميكانيكية والكهربية والإنشائية والإنتاجية والغزل والنسيج بإجمالي تمويل مليون وخمسمائة وعشرين ألف جنيه. اصطف127 طالبا وطالبة, هم المستفيدون من منحة الأكاديمية ودعمها مع أساتذتهم في صورة تذكارية توسطها رئيس الأكاديمية, ونائب رئيس الجامعة, والضيوف الحضور. حين عدت إلي منزلي وتابعت أخبار ما يجري من أحداث, تذكرت قول الشاعر العربي متي يبلغ البنيان يوما تمامه إذا كنت تبنيه وغيرك يهدم رابط دائم :