عاشت أسرة الحاج عبد الرازق حياة بسيطة بقريته بناويط بمركز المراغة, وظل الرجل طيلة حياته يعمل بجد ومثابرة ليعول أسرته, ويوفر لهم حياة كريمة , ولم يعكر صفو حياة هذه الأسرة البسيطة سوي ابنها علي.. ذلك الطفل الذي شاءت الأقدار أن يكون متخلفا عقليا. حاول والداه أن يجدا طريقة ليحفظا لابنهما حياة مستقرة, ولكن تأتي الرياح بما لاتشتهي السفن;إذ لم يستطع علي مواصلة تعليمه, وفشل في تعلم حرفة يكتسب منها قوت يومه.. كل ما استطاع أن يفعله, العمل باليومية, حيث يعمل يوما ويتعطل أياما. وبدأت أحواله النفسية تتأزم وتزداد تدهورا, حتي وصل إلي درجة كبيرة من الاختلال العقلي, فهام علي وجهه في الطرقات, وراح يضرب ويشتم كل من يقابله من أبناء قريته, لدرجة أنه أصبح خطرا يهدد سكان القرية, ويضخ الخوف في قلوبهم علي أبنائهم, خشية أن يصيبهم مكروه من هذا المختل. حاول بعض أهالي القرية إقناع شقيقه حسن بتسليمه لإحدي المصحات النفسية لمعالجته, أو حبسه في المنزل وفرض رقابة صارمة عليه, للحيلولة دون خروجه ومن ثم اقترافه تصرفات حمقاء, أو قيامه بأعمال عدوانية, ولكن من دون فائدة ترجي; فقد سار الوضع علي ما هو عليه, وظلت خطورته قائمة ومستمرة. ومع مرور الأيام, ساءت حالة علي لدرجة أن الأهالي كانوا يصابون بالفزع وينتابهم الرعب من مجرد رؤيتهم له. ولأن الشعور بالخوف يجبر الإنسان علي القيام بعمل أو سلوك معين, كرد فعل لموقف أو ظرف معين حدث فعلا أو علي وشك الحدوث- كما يقول علماء النفس- اجتمع في المساء عدد من أهالي القرية, وتلاقت إرادتهم علي ضرورة التخلص من هذا المختل, الذي يشكل تهديدا مباشرا لحياتهم وحياة أولادهم وأسرهم. كان أمامهم في واقع الأمر خياران, فإما الهرب من هذا المختل, أو مواجهة الموقف, وقد استقروا علي الخيار الأخير, علي اعتبار أنه أسهل وأرحم, وأقل ضررا لهم فضلا عن أنه سيحافظ علي كرامتهم, وينزع مشاعر الجبن من صدورهم, وقلوب أبنائهم وزوجاتهم. وفي نهاية المطاف, دفعهم الخوف والتوتر الزائدان, إلي ارتكاب واحدة من أبشع الجرائم, والتصرف بطريقة خاطئة, سوف تلحق بكل تأكيد ضررا بالغا بحاضر ومستقبل مرتكبيها. فبعد تفكير عميق, أجمعوا أمرهم واتخذوا قرارهم النهائي بضرورة التخلص منه. ولإنفاذ غرضهم, ووضع حد لمخاوفهم.. قاموا بضربه وإشعال النيران بجسده, ما أدي إلي إصابته بحروق شديدة بأجزاء متفرقة من جسده, وقد تدهورت حالته الصحية, ليتم نقله إلي العناية المركزة, ويلفظ بها آخر أنفاسه في الحياة. ترجع أحداث الواقعة عندما تلقي اللواء محسن الجندي مساعد وزير الداخلية لأمن سوهاج, بلاغا من مستشفي المراعة المركزي, بوصول علي30 سنة عامل, مصابا بحروق نارية من الدرجات الثلاث, وتم تحويله إلي مستشفي سوهاج العام, وتوفي فور وصوله إلي هناك بمجرد إيداعه غرفة العناية المركزة. انتقل علي الفور إلي مكان البلاغ, العقيد أحمد الراوي مفتش المباحث, بإشراف العميدين الحسن عباس ومحمود العبودي مدير ورئيس المباحث الجنائية, لكشف من وراء الواقعة. وبالفحص وسؤال حسن26 سنة شقيق المتوفي, قرر أن المجني عليه أخبره قبل وفاته بقيام بعض أهالي القرية أحدهم يدعي محمد بإشعال النيران به, بسبب قيامه بمضايقة المارة وإلقاء الطوب والحجارة عليهم; كونه مختلا عقليا. تم تحريرمحضر بالواقعة, وأخطرت النيابة فباشرت التحقيق, وصرحت بدفن الجثة, وكلفت أجهزة البحث الجنائي, بضبط المتهمين المتورطين في الواقعة.