أحترم الأستاذ فهمي هويدي الذي تعلو قامته كاتبا ويعظم مقامه مفكرا,ولا يضيره إذا تعجبت لما نقلته عنه أمس القبس الكويتية أن الدين بعيد عن قضية الاستقطاب الذي تشهده الساحة المصرية ووصف ما يقال في هذا الشأن بأنه معركة افتراضية ودلل عليه بأن الرئيس محمد مرسي لم يحدث أن تحدث عن الدين في خطبه. وزاد عجبي كثيرا من اختصار المعركة الافتراضية في خطب الرئيس الذي وصفه في جزء من تصريحاته بأنه سئ وأن الآخرين أسوأ منه ففي تصنيفه لأعراض الاستقطاب ذكر الصراع علي الهوية والكرسي, والخوف من الديمقراطية والإخوان, وأن لهذا الصراع مخرجين أولهما من خارج النظام بالانقلاب عليه, وثانيهما من خلال النظام بمصارحة مرسي الشعب بالحقائق. وأري أن ذلك يشبه كثيرا الحالة التي يعيشها كثير من الإخوان أو المتشبهين بهم بأن الشرعية في الاتحادية فقط وأن ما يحدث داخل القصر وخارجه يعكس الحالة المصرية مادام قد احتكر الحوار والقرار, كما أن ما تشهده مصر اتفاقا أو استقطابا لا تعكسه إلا مرآة الرئيس والرئاسة. ولو شاء الأستاذ أن يقنعنا أن ما يحدث من عنف وغضب في الشارع الآن يرجع إلي الفقر واليأس فقط كما قال وليس بسبب تعرضهم لأكبر خديعة سياسية لأدرك الأسباب التي جعلت الشعب الغاضب يهاجم26 مقرا ل الإخوان في يوم واحد ولأدرك أن ذلك لا علاقة له بالأيدي الخارجية ولا تحريض الإعلام الحكومي وكأن إعلام الإخوان وأنصارهم يتنزه عن الكذب ويخلو من الخداع ولا يتشدق بتوافق مفقود واتفاق منزوع الوحدة وحلول غير واقعية. ولهذا فإن ربط ابتعاد الدين عن الاستقطاب السياسي في مصر الآن والتدليل عليه بخطب الرئيس التي لا يتحدث فيها عن الدين يفرغ الوضع السياسي من حقيقته الحالية فهذا الاستقطاب تراه في محاولات حزب الحرية والعدالة وجماعته السيطرة علي كل شئ في مصر حتي ولو كان تحت مسمي الإصلاح والتطهير ويفتح الحزب أحضانه للأحزاب التي تقبل المشاركة و تتمتع بمرجعية إسلامية في محاولة للسيطرة علي مجلس النواب المقبل وتشكيل الحكومة والحكم بالمغالبة وهو ما يفسر التشوه النفسي والسياسي والاجتماعي الذي تعاني منه مصر جراء ما سماه الأستاذ هويدي بغياب الديمقراطية في فترة ما قبل الثورة وليس تغييبها عمدا بعد الثورة. وهذا التغييب المتعمد لم يكن وليد لحظات الغضب التي تعصف بالشارع السياسي المصري الآن بمنطقها وجنونها- والرافضة لسياسات الرئيس والهاتفة بإسقاط حكم المرشد والباحثة عن وقف الاعتقال والبطش والتعذيب ولكنه يتضمن مجموعة متشابكة من الكبائر السياسية التي بدأت بتفصيل متعمد لبعض مواد الدستور ونسف الأهداف التي ثار الشعب من أجلها, وتدمير دولة القانون. وليت الدولة رئيسا وحكومة وبرلمانا وقوي سياسية تأخذ عن الأستاذ هويدي ما قاله عن التسامح بمفهومه السياسي وليس الديني لأن ذلك سيبعدنا عن السقوط في الهاوية والاستمرار في المأزق الحالي.