المتابع للتطورات التي حلت بالساحة الفلسطينية مؤخرا، بُعيد الزلزال السياسي الذي ضرب واشنطن وتل أبيب، بقوة 138صوتا، بعد رفع مكانة فلسطين إلى دولة مراقب في الأممالمتحدة.. هذا الانتصار هو انتصار لدبلوماسية الثورة الفلسطينية، وأعني هنا (الحراك الدولي) الذي صاغته حركة فتح في مؤتمرها السادس2008، وتبنته منظمة التحرير الفلسطينية، ليشرع النضال في ساحة هامة إلى جانب ساحات النضال الفلسطيني كافة، ويمكن لنا أن نرصد الجولات الماراثونية حول العالم لمفوض العلاقات الدولية لفتح د.نبيل شعث والمهمات الشاقة التي أوكلت إليه متبوعا بقادة الحركة، والتي تجاوزت ألفي لقاء دولي مع رؤساء ووزراء وأحزاب ومنظمات وبرلمانيين ووفود سياسية ودولية، في مشارق الأرض ومغاربها، هذا الحراك كان له الأثر الكبير في السقوط المدوي لدبلوماسية الدولة العظمى ودبلوماسية الاحتلال. إن حقيقة الأمور استوجبت إدراكنا جميعاً أهمية ما جرى في نيويورك...لقد أدركت حكومة الاحتلال مسبقاً المعنى الحقيقي والقيمة القانونية، وما سيلحق ذلك من تبعات وخطورة على مشروعها الإجلائي الاستيطاني، رغم أن هذه الدولة لم تكن أبداً بشكلها الراهن حلماً للفلسطينيين!، (حدود1967م-مساحة22% من مساحة فلسطين الكلية)، لكن الاحتلال يدرك تماماً أن قيام دولة فلسطين على جزء من الأرض يعنى أن الخطر يتهدد مستقبل دولته العنصرية وأمنها في المنظور البعيد. ويفهم تماماً أن مشروعه الاستيطاني المتمدد سينحسر، وأن المجتمع الدولي بات يساند الحق الفلسطيني، لذلك رأينا العالم بغالبيته الساحقة صوت إلى جانب الحق الفلسطيني..رافضاً كل المساومات والضغوط الأمريكية!!.. ورأينا أيضاً، العند والإصرار الفلسطيني الذي تمثل حقيقةً في رفض الرئيس أبو مازن كل التهديدات والضغوط من قطع المعونات وخنق مالي واقتصادي وتشويه إعلامي من حين لآخر، من القريب قبل البعيد، غير آبه إطلاقا بكل ذلك. ورغم أن هذا الإنجاز الكبير هو انتصار فلسطيني عظيم، إلا أن بعضنا مازال يحاول التقليل من شأنه، ما يقودنا للحديث عن الوضع الداخلي الفلسطيني، وعن ماهية المشروع الوطني الفلسطيني الذي أصبح يمر بحالة من التخبط، بعد انغلاق مسار المفاوضات، وعدم جدوى المقاومة المسلحة بشكلها الحالي، حتى لو قلنا إن المقاومة انتصرت في العدوان على غزة، فإن ذلك يجب أن لا يسوقنا بالظن إلى أنه انتصار عسكرى بمفهومة الحقيقي. فالانتصار العسكري يعنى على الأقل تكبيد الطرف الآخر خسارة بشرية ومادية وعسكرية فادحة، إن لم تكن هزيمة متبوعة بسيطرة المنتصر على أرض الطرف المهزوم، وهذا يتطلب توازن أو بالحد الأدنى تقارب في القدرات العسكرية، وهو للأسف لم يحدث أصلاً، لذلك فإن حقيقة ما جرى هي ليست انتصار عسكريا وإنما انتصار لإرادة المقاومة الفلسطينية النابعة من الصمود الأسطوري على الأرض. وعود على بدء، فإن الانتصار السياسي الفلسطيني في نيويورك، لم يكن دعما لنهج المفاوضات على حساب نهج المقاومة ولم يكن بالقطع عكس ذلك!، وإنما جاء انسجاما مع مفهوم الحق الفلسطيني في مقاومة الاحتلال، بكل الأساليب والوسائل بما في ذلك الدبلوماسية، أو المفاوضات، أو الكفاح المسلح إذا تطلب الأمر ذلك. ولا تناقض أصلاً بين أساليب المقاومة. المهم هنا الاتفاق على المشروع الوطني برمته وتقديم الممكن على الغير ممكن، عملاً بمبدأ (للضرورة أحكام)، ما يسترعي الانتباه إلى أن أي من تلك الأساليب لا يمكن له النجاح دون تحقيق الوحدة التي هي مفتاح التحرير، فلا المقاومة المسلحة ولا الشعبية ولا الحل السياسي ولا غيره، قادراً على تحقيق أهدافه دون الكل الجغرافي. ولا يمكن أن تلتئم الجغرافيا بمعزل عن الإرادة السياسية النابعة من الحس الوطني والتي تقتضي الإسراع بتنفيذ المصالحة وخصوصاً بعدما تكشفت عورات الذين ظنوا أنهم انفردوا بساحة الفعل الفلسطيني، فكانت مليونية الانطلاقة بساحة السرايا شاهدا جديدا على أن شعب غزة منذ فجر التاريخ لم يثبت أنه كان ملكا لأحد، ولا يقبل القسمة على أحد، وكذا في الضفة الغربية. ولابد أن نتوقف مطولا عند يوم انطلاقة حركة فتح في غزة والذي فاجأ العدو قبل الصديق، وغيَّر الحسابات الدولية في التعامل مع القضية الفلسطينية فيما يتعلق بشرعية التمثيل. فالشعب الفلسطيني في غزة خرج وأدلى بدلوه، وقال كلمة الفصل، وأرسل رسائل عدة: (لا فلسطين بدون غزة، ولا غزة بدون فتح،ولا شرعية سوى منظمة التحرير، ولا بديل عن الوحدة الوطنية). وإذا ما افترضنا تمترس فتح وحماس ببرنامجيهما، فإن فتح تدرك أن مشروعها الوطني لن يتحقق دون غزة، وكذا حماس تفهم أن برنامجها لن يكتب له الاستمرار بغير الضفة، لذلك فإن المصالحة أصبحت ضرورة ملحة وطوق نجاة للجميع، بل إنها ممر إجباري وحيد يتعين على كل الفرقاء الدخول فيه على أقلها ليحقق كل فريق ما يصبو إليه، إن لم يكن الهدف الأول استكمال حلم الاستقلال الوطني. رابط دائم :