من حق جماعة الإخوان المسلمين أن تناور بكل ما تملكه من أوراق, من أجل بناء تحالفات إقليمية جديدة, تتفق وأجندتها السياسية , التي تدخل في صلب عملية التغيير يحار المرء كثيرا عندما يحاول فهم أسباب ذلك الصمت المطبق, الذي خيم علي مؤسسة الرئاسة قبل أسبوع, بينما وزير الخارجية الإيراني علي أكبر صالحي, يتحدث بملء فيه عن الخليج الفارسي, متجاهلا ثوابت التاريخ وحقائق الجغرافيا وأبسط مباديء اللياقة الدبلوماسية, بحق الدولة التي فتحت له أبواب قصرها الرئاسي, بعد عقود من القطيعة التي بلغت ذروتها, في أعقاب اغتيال الرئيس السادات. ويحار المرء أكثر إزاء ذلك التجاهل اللافت من قبل وزير الخارجية, الدكتور محمد كامل عمرو, وقد بدا الرجل خلال المؤتمر الصحفي الذي كرر فيه ضيفه الجملة أكثر من مرة, علي سبيل التأكيد, وكأنه لم يسمع شيئا, بينما الأمر يتعلق علي نحو مباشر ب أمن الخليج, الذي طالما تحدثت عنه مؤسسة الرئاسة, وفي غير مناسبة, باعتباره خطا أحمر يدخل في صلب الأمن القومي المصري. لا تمل إيران من محاولات تغيير هوية عروبة الخليج الراسخة في الوجدان العربي, قبل رسوخها في كتب التاريخ الحديث, وقد بلغت تلك المحاولات حد تهديد شركات الطيران التي تستخدم مصطلح الخليج العربي, بعدم السماح لها باستخدام المجال الجوي الإيراني, قبل أن تنقل المعركة إلي شركة جوجل العالمية, مهددة بمقاضاة محرك البحث الأشهر علي شبكة الإنترنت الدولية, لأنه اعتمد اسم الخليج العربي في خدمة الخرائط الخاصة, وهو ما دفع الشركة إزاء تلك التهديدات إلي إجراء تصويت بين مستخدمي الإنترنت حول التسمية الصحيحة, قبل أن تنتهي إلي اعتماد مسمي الخليج العربي, والرضوخ لحقائق التاريخ. تصر إيران منذ عقود بعيدة علي تسمية الخليج العربي باسم الخليج الفارسي, متجاهلة ثوابت التاريخ, التي تتجلي في العديد من التسميات القديمة التي أكدت عروبة الخليج, والتي يستطيع الباحث المجد أن يجدها واضحة لا تقبل الشك, في ما دونه عشرات من المؤرخين والرحالة القدامي مثل ياقوت الحموي وخليفة بن خياط, والذهبي, وغيرهم من علماء الفقه والشريعة, وفي مقدمتهم شيخ الإسلام ابن تيمية, بل وغيره من النحويين الأوائل الذين استخدموا الاسم في ضبط إيقاع اللغة, ومن بينهم صاحب علم العروض والقوافي الخليل بن أحمد الفراهيدي, بل إنها تغمض عينيها أيضا عن حقائق الجغرافيا, عندما تقول إنها تتمتع بأكبر سواحل علي مياه الخليج ما يعزز حقها في التسمية, متجاهلة في ذلك أيضا أن حصتها من طول الساحل الذي يمتد علي مسافة تزيد علي3300 كيلو متر, لا تزيد علي الثلث, فيما يسكن العرب ثلثي الضفة الأخري في أقسامها الغربي والشمالي والجنوبي. من حق جماعة الإخوان المسلمين أن تناور بكل ما تملكه من أوراق, من أجل بناء تحالفات إقليمية جديدة, تتفق وأجندتها السياسية, التي تدخل في صلب عملية التغيير الواسع الذي تشهده منطقة الشرق الأوسط, والتي تستهدف تغيير طبيعة الصراعات فيها, وفق ما يخطط له البيت الأبيض في واشنطن, وفي القلب من هذه التحالفات بناء جسور من التواصل مع النظام الايراني, وهي عملية لن تتم إلا عبر تسوية مشاكل لم تكن الجماعة سببا فيها باليقين, لكن هذه المناورة لا يجب أن تتخطي بأي حال من الأحوال حدود الأمن القومي المصري, الذي تعد العلاقات العربية العربية أحد أهم مرتكزاته منذ عقود بعيدة, مثلما لا يجب أن تتخطي حدود قوانين التاريخ والجغرافيا, التي تؤكد هوية كل ما هو عربي من محيطنا الهادر إلي خليجنا الثائر, ذلك الذي سوف يظل عربيا.. حتي لو صمت الجميع في قصر الاتحادية.