علمتني والدتي وأنا طفلة أستقي منها خبرات الحياة أن الليل مهما طال لابد وأن ينجلي والشمس مهما طال غيابها لابد وأن تشرق. ولا أعلم أكانت هي مجرد دروس تحفظني إياها أم هي قاعدة ولكل قاعدة شواذها علي كل فقد اختارني القدر لأعيش شذوذ القاعدة فأبي الليل أن ينجلي وأبت الشمس عن الشروق بعد حياة حافلة بالعثرات والأشواك. وعلي الرغم من ضيق ذات اليد الا أنني استطعت أنا وزوجي أن نعلم أبناءنا الثلاثة ونربيهم علي مباديء الدين والخلق الكريم. وكم كان الليل طويلا عندما يحل علينا موعد دفع مصاريف المدرسة ونحن لا نملك قوت يومنا فيذهب أبناء الحي للمدرسة صباحا ويعودون مساء وأبناؤنا حفاة يلعبون في الشارع.. ينظرون لهم بتفحص ثم يتساءلون بنظرة تثقب قلبي كالخنجر فتدميه لماذا لا نذهب للمدرسة مثلهم؟ أما أنا فلا أترك بيتا قريبا ولا صديقا الا وأطرق بابه أطلب المساعدة لأستكمل تعليم أبنائي وكم تحملت نظرات امتعاض وتلميحات جارحة ولكن ماذا عسايا أن أفعل وهي السبيل الوحيد لنزع الخنجر.. ومضت بي الدنيا علي وتيرتها البائسة حتي حصل ابني الأكبر علي دبلوم تجارة والمتوسط في الثالثة الاعدادية وأما الأصغر في الرابعة الابتدائية. وكم كنت أشعر بالأسي عندما يتعرض أحدهم لوعكة صحية فلا أجد ثمن كشف الطبيب ولا تكاليف العلاج فتتطور حالته ليتهمني الطبيب بالاهمال ورغم كل شيء ظل الايمان بالله والصبر هما السبب في تخطي العقبات والمكاره التي كثيرا ما يلاقيها الآباء في تربية الأبناء. أما زوجي الذي يعمل سائقا ويبلغ من العمر47 عاما فمصاب بالفشل الكلوي ولا حاجة للكلام عن تكاليف الغسيل الكلوي ولم ينقشع سواد الليل عند هذا الحد فلقد جاء علينا يوم ثقيل استيقظ فيه زوجي علي آلام مبرحة في منطقة البطن وبعد عدة زيارات لعدد من الأطباء اكتشف أحدهم أنه مصاب بمرض السرطان خلف الغشاء البريتوني مما جعله ملازما للفراش لا يقوي علي العمل وهو العائل الوحيد لنا فإبني الشاب لم يحظ بعمل يدر علينا المال بما يقينا الذل. وبالرغم من ذلك لم أستسلم ولم أتخبط في ظلام الليل الأسود بل واجهت الموقف بواقعية وصلابة ودبرت مبلغا من المال بمساعدة أهل الخير والأقارب واشتريت لابني توك توك بالتقسيط بمبلغ اثنين وعشرين ألف جنيه سددت منها خمسة آلاف وباقي سبعة عشر ألفا وبالفعل بدأ يدر علينا ما يحفظنا من الإهانة والجوع والحاجة وقلت ها هو النصف الآخر من الدرس الذي تعلمته من أمي يتحقق الليل سينجلي وسيكون التوك توك دربا يأخذنا للراحة والأمان. وفي ليلة وبينما كنت أنتظر عدة ابني لأقدم له ما رزقنا به الله من طعام فيومه طويل وشاق يلاقي فيه ما يلاقيه من متاعب كان الوقت يمضي طويلا وكأنه الدهر حتي انه تأخر عن كل ليلة.. في بداية الأمر تصورت أن أحد الزبائن طلب منه أن يرافقه في أكثر من مشوار ولكن تأخره زاد عن الحد المعقول فزاد قلقي عليه ورفعت يداي إلي الله يارب يعود لحضني سالما غانما بإذنك يا أرحم الراحمين لكنه لم يعد يارب يعود لحضني سالما... سالما فقط يا مالك الملك وبعد ساعات طوال سمعت طرقا متواصلا علي الباب وكان قلبي يقابل كل دقة بخفقان.. حملتني قدماي في تثاقل وعلي لساني ابني يارب ابني يارب.. فلذة الكبد والسند. فتحت الباب فإذا بإبن سنوات عمري ممزق الثياب يرتمي في حضني باكيا كالأطفال. أخذته من يديه وجلست إلي جواره فإذا به يقول أن مجموعة من البلطجية تهجموا عليه في منطقة بهتيم بالسنج والمطاوي وهددوه بالقتل اذا لم يأخذوا منه التوك توك ذهب ابني الي قسم ثاني شبرا الخيمة وحرر محضرا برقم6074 جنح2012 وسرق التوك توك وسرقت معه الراحة والأمان والكرامة وكم حاسبت نفسي كثيرا أني تصورت أن الليل قد انجلي ونسيت أن القدر اختارني لأعيش شذوذ القاعدة وإنني من خلال جريدتكم أناشد كل قلب رحيم أن يساعدني في دفع أقساط التوك توك المسروق. وأرجو من وزير الداخلية اللواء أحمد جمال الدين أن يرأف بحالي ويصدر توجيهاته بتفعيل محضر السرقة حتي نعثر عليه ولعلكم تكونون سببا في تحقيق النصف الآخر من درس أمي. هكذا تحدثت الأم المكلومة وحكت حكايتها البائسة والأمل يحدوها أن تجد من خلال صفحة مع الناس من يقف إلي جوارها من أصحاب القلوب الرحيمة.. أو تجاوبا من وزير الداخلية.