طالت فترة الصمت والهمس وتكميم الأفواه لفترة تجاوزت ستين عاما، عاشها الشعب المصري لم يستطع أن يعبرعما يجول فى خاطره من انتقادات سياسية أو اقتصادية، وتم الإجهاز على حرية التعبير في وسائل الإعلام المختلفة. لقد ظل الشعب حبيس نفسه، يعانى مما يدور حوله من انتهاكات لحقوقه الإنسانية والسياسية؛ فلم يجد لنفسه مخرجا إلا من خلال النقد الذاتي لنفسه بعنف وسخرية وتهكم على شخصه أو على غيره، من خلال "النكتة" التى اشتهر بها المصريون منذ بدء التاريخ وحتى وقتنا الحالى . وأذكر لكم نكتة فرعونية تعلمتها من خلال دراستى لبعض العبارات والجمل من اللغة المصرية القديمة منذ أكثر من عشرين عاما ولم أنسها حتى الآن، وهى عندما مر رجل وهو يسير فى الطريق لاحظ رجلا يجلس على حجر وتظهر عليه ملامح السذاجة، فقال معبرا عن ذلك: (حجر يجلس على حجر) هذا هو المصرى الذى يعبر عما يدور فى خاطره بعبارة بها تورية، عن سذاجة الرجل دون التعريض بهذا المعنى مباشرة. وظل يعبر من خلال هذا الموروث المصرى عما يدور فى خاطره بطريقة غير مباشرة، حتى لا يعرض نفسه لغطرسة الحاكم والفتك به أو سجنه أو اعتقاله، وظل الشعب صابرا على كل ما ارتكبه النظام السابق من جرائم، فأفقر الفقراء وأغنى الأغنياء، وجعل شرذمة من الشعب يملكون كل شئ وباقي الشعب يعيش على الفتات. لقد نهبت أموال الشعب وجرفت خيراته، وتقاسمها اللصوص الذين لم يعنوا بمسئوليتهم نحو هذا الشعب العظيم، وانتهكت كرامة المصريين على أرضهم وخارج أوطانهم، وعانى الشعب من الأمراض وتدنى مستوى الرعاية الصحية والتعليمية، ولأجل ذلك انتفض الشعب، وكان كريح صرصر عاتية، وثار على الطغاة الذين لم يراعوا الله فى شعبهم . لقد ظل الشعب المصرى مكمم الأفواه، يمارس السياسة من خلف الكواليس بطريقة "البنتوميم" حتى إن العديد من السياسيين ظن أن الشعب قد خنع وأصبح الخنوع صفة أساسية من مكوناته الشخصية، إلا انه سيظل يفاجئ العالم بما لديه من موروثات عظيمة، فهو يستطيع أن يصبر على الظلم والقهر طويلا، ولكن عندما يثور لا يبقى ولا يذر، ومن يظن أنه يستطيع خداع الشعب المصرى فهو واهم، لا يعرف حقيقة هذا الشعب العظيم. كما أن هناك حقيقة لا يمكن إغفالها، فعندما تتاح الفرصة للأفواه المكممة للكلام، فإنها تتكلم دون توقف؛ إذ تثرثر فى كل صغيرة وكبيرة..وهذا هو حالنا الآن.. الجميع يثرثر ولا يريد أن يسمع. وهنا يكمن السؤال: إلى متى لا يسمع بعضنا البعض، حتى يكون هناك حوار مثمر؟ ربما يستغرق ذلك شهورا أخرى أو بضع سنين، لكن من المؤكد أن الجميع سيصمت بعد فترة زمنية ليست طويلة؛ لأنهم سيكونون قد أرهقوا من كثرة الكلام، وعندها سيحاول كل منا أن يسمع الآخر، حتى يفهمه. ومن ثم تصبح الأوضاع السياسية أكثر هدوءا واستقرارا ويصبح الحوار المجتمعي فى خدمة الوطن، وتصبح الديمقراطية هى الوسيلة الوحيدة، للتعبير عن الرأي، والرأي الآخر.