من يراجع قرارات الحكومة التي تتخذها هذه الأيام التي تشهد فيها البلاد أسوأ أزمة سياسية، سوف يكتشف حقيقة فشل هذه الحكومة، ويتبين أسباب تردي الأوضاع المعيشية للمواطنين، وقدمت عبر مجموعة من القرارات المباغتة نموذجا فريدا للابتزاز الحكومي، وأسوأ أنواع الاستغلال الرسمي للمواطنين بل ضربت نموذجا واضحا وسافرا لسوء الإدارة. علي طريقة لصوص الخزائن، قررت الحكومة التسلل الي جيوب المواطنين التي يعتصرها الفقر وتلاحقها الأزمات، عبر حزمة قرارات اتخذت بليل علي وقع المظاهرات التي تهز الشوارع والميادين، حيث وجدت في هذه الأجواء فرصة سانحة للانقضاض علي المواطنين والحصول علي ما تريد من أموال هي بالأصل لم تعد كافية لسد قوت يوم لأسر تصارع الجوع والفقر. ضربة البداية كانت قبل أيام بزيادة مفاجئة لأسعار الكهرباء للمنازل والمصانع، ثم تبعتها أمس بضربة أخري شملت رفع ضريبة المبيعات علي 50 سلعة، بدعوي خفض عجز الموازنة العامة للدولة، وكأن المواطن البسيط كتب عليه أن يدفع قبل وبعد الثورة فاتورة رعونة المسئولين، وخيبة الاداريين الفاشلين، وبدلا من أن تلاحق الحكومة حيتان الأراضي والمتهربين من الضرائب، سلكت الطريق السهل، لتتحول الي حكومة جباية لسد عجزها وفشلها في تنمية وادارة موارد الدولة بعيدا عن المواطنين الكادحين الصابرين علي البلاء وهموم الحياة. يقينا أن مصر أصبحت في قلب أزمة اقتصادية خطيرة، ومن المؤكد أن هناك انكماشا مخيفا ومرعبا في مكونات الاقتصاد المصري، وجفافا ماليا واضحا في شرايين التنمية، إلا أن روشتة العلاج وتكاليفه يجب ألا تكون من جيوب محدودي الدخل الذين كانوا يتطلعون إلي حياة أفضل بعد ثورة رفعت شعار الحرية والعدالة الاجتماعية. الحكومات الرشيدة لاتلجأ في وقت الأزمات إلي الضرائب أو فرض الرسوم بل إلي تخفيف الاعباء المالية علي المواطنين ومساعدة محدودي الدخل، أما ما يصدر عن الحكومة من سياسات فهو لا يمكن وصفه إلا أنه دفع نحو مزيد من الأزمات المجتمعية قد تكون له نتائج كارثية علي التماسك الاجتماعي، بل قد يزيد من اشتعال الأوضاع الي ما هو أبعد مما قد يتصور أولئك القابعون في القصور الذين لا يشعرون ولا يرون، ولا يسمعون صراخ الجائعين.