لم يكن أحد يتوقع أن تسارع الأحزاب السياسية في اختيار ممثليها في الجمعية التأسيسية بسرعة البرق الخاطف, بالرغم من علمهم أن نتائج الانتخابات البرلمانية لم تكن تعبر بشكل حقيقي ومتوازن عن رأي الشعب المصري بشكل حقيقي وفعال علي أرض الواقع. بعد أن تم تزوير إرادته بشكل ممنهج وفعال علي مدي ستين عاما وشاركت بعض هذه الأحزاب في هذا التزوير الممنهج والذي كان ظاهرا للعيان من خلال الناس الذين يذهبون من أجل الإدلاء بأصواتهم في صندوق الانتخاب. أقول هذا الكلام لأن علاج العرض لايمكن أن يحل مشكلات المرض إلا بمعرفة أسبابه, ومن هنا ماكان للتأسيسية أن تكون مثار جدل لهذا الخلاف السياسي بين مختلف التيارات والقوي السياسية من أقصي اليمين الي أقصي اليسار مرورا بالوسط من الموافقين والمعارضين علي حد سواء من أجل وضع دستور لمصر يؤمن حاضرها ويضمن لها مستقبلها بعيدا عن الديكتاتورية والاستبداد, الذي قهر مصر والمصريين, وأنهكهم, حتي أصبحوا مسخا لايعبر حتي عن حقيقة المعاناة التي يعاني منها الشعب المصري في كل مجال. فالقضية ليست ياسادة في كتابة دستور يعبر بشكل حقيقي وفعال عن تطلعات الشعب المصري المظلوم, ولكن القضية الأساسية هي تفعيل هذا الدستور من أجل حماية كرامة الإنسان, وضمان أدني متطلبات حياته ماديا ومعنويا, بحيث يشعر في بلده بالأمن والأمان والاستقرار ويتمكن من ضمان حقوقه مقابل مايقدم من واجبات. فلقد كنا نحكم بدساتير في عهود سابقة, ومع ذلك كان الظلم واقعا علي الشعب المصري بكل فئاته باسم الدستور, وتحول الدستور من عقد مكتوب بين الحاكم والمحكوم حفاظا علي مصالح الجميع, ويمكن أن يتم فسخه في أي وقت إذا كان لايحقق مصلحة الطرفين, الي سيف مسلط علي رقاب المصريين, والي عقد يدعم ديكتاتورية الحاكم ومواليه, من أجل نهب البلاد بشكل ممنهج, وإشاعة الفساد في كل مجال باسم الدستور الذي لايساوي قيمة الورق الذي كتب عليه. فلماذا كل هذا اللغط المحيط بكتابة الدستور بالرغم من الفقر المدقع والجوع المهلك والأمية العارمة التي دخلت في كل بيت من بيوت المصريين عوضا عن الأمية المعرفية في كل مجالات الحياة, السياسية والاقتصادية والعلمية وكان الأولي بنا في هذه المرحلة الانتقالية أن يتم تنقيح دستور1971 من شوائب الديكتاتورية والاستبداد ويتفرغ الجميع لابتكار أفكار لنهضة هذه الأمة وتنميتها قبل فوات الأوان. ولذلك لم تكن القضية التي تشغل بال المصريين بالدرجة الأولي هي في كتابة الدستور بعد الثورة العارمة التي حدثت في25 يناير والتي يمكن أن تتكرر مرارا وتكرارا ضد الظلم والاستبداد أيا كان مصدره, من أجل خلع قلاع الفساد والديكتاتورية والاستبداد في كل شبر من علي أرض مصر لكي نستعيد مصر بإرثها التاريخي وبعدها الحضاري وعمقها الديني وموقعها الجغرافي المتميز والذي جعلها محط أنظار الغزاة والمحتلين علي مدار التاريخ منذ الهسكسوس وحتي الأن. ولكن كان يجب أن يكون الهم العام والخاص والشغل الشاغل لأصحاب التأسيسية الذين لم يتخصص الواحد منهم يوما ما في كتابة دستور أو معرفة قوانينه إلا ماندر أن ينظروا بعين الاعتبار لحجم المأساة والمعاناة التي يعانيها المصريون في أدني متطلبات حياتهم اليومية, والذي يدعو إلي الحيرة والحسرة والندامة والخوف علي مستقبل هذا البلد في ظل هذه الفوضي التي تضرب كل أنحاء البلاد والأخطر من كل هذا أن يكون الإسلام دين العدل والسلام والذي يجمع الأمة جميعها باختلاف مشاربها وتوجهاتها تحت رايته, يكون هو محور الخلاف, بل وأصبح مادة للحديث والنقاش عند التعاطي مع كتابة الدستور, حتي يعتقد البعض أن الأشكال كله يتمحور حول الإسلام, وكأن مصر لم تتم سرقتها بشكل منظم, ونهبها بشكل مقنن,وتفريغها من كل كوادرها بشكل ممنهج,وتجريفها من كل قيمها ومبادئها وأخلاقها بشكل مبرمج, وتفكيك كل مؤسساتها بشكل واضح وبين, تحت سمع وبصر النظام السابق ومعارضيه وفي وجود المادة الثانية من الدستور, والذي يمكن أن يتكرر في كل الأوقات, مالم تتم إعادة تأهيل هذه الأمة علي مباديء الصدق والأمانة وقيم التوافق والحفاظ علي الحقوق والواجبات إن تضييع وقت المصريين الثمين وجهدهم المثير في هذا التوقيت العسير بين حل التأسيسية وربطها وإثارة الخلافات القانونية بين مختلف القوي السياسية وإحداث شرخ كبير في المجتمع لايسمن ولايغني من جوع, هو الذي سوف يفسد العلاقة بين الحاكم والمحكوم ويوسع من دائرة الفجوة التي كنا نتمني أن تردمها الثقة المتبادلة بين الفرقاء, وفي الوقت نفسه سوف يؤجج من وتيرة الصراع بين المتخاصمين بعد أن غابت مصلحة مصر العليا بكل مكونها الحضاري عن أجندتهم السياسية, وكان الواجب والمفروض أن تكون مصر حاضرة من خلال التوافق والبحث عن مختلف فصول التنمية وردم هوة الفقر والجوع والحرمان بين مختلف طبقات الشعب المحروم من أدني متطلبات الحياة, حتي يشعر المصريون بقيمة وعظم التضحية التي قدموها علي مدار ستين عاما تحت أسنة نظم مستبدة وديكتاتورية, والتي كان آخرها وذروة سنامها هو في تقديم شباب مصر أرواحهم فداء لها في ثورة25 يناير. أستاذ بكلية الطب