مشكلة الدعم العظمي أن كل المواقف التي تناولته حتي الان إنما اتخذت من زوايا للنظر والتأمل والتحليل وهي تحمل وجهة نظر أصحابها فقط.. من جهة أولي فإن فريقا في مصر يطالبون بإلغاء الدعم نظرا لانه يخلق عبئا ثقيلا علي كاهل الحكومة.. ومن جهة ثانية فإن حملة رايات الاشتراكية ينظرون إلي الدعم باعتباره انه حق اساسي من حقوق الطبقات الأدني والتي تعاني من شطف العيش في ظل ظروف اقتصادية واجتماعية متردية. ولا شك ان كل وجهات النظر المطروحة في هذا الشأن انما تنطلق في حكمها علي سياسة الدعم إن إبقاء أو إلغاء من منطلقات سياسية نمطية كتلك التي ينطلق منها الحوار في معظمه اليوم في مصر... ومع ثبات الأسعار المحددة بقرارات فوقية( من جهة) واستمرار الأسعار الحقيقية في الارتفاع( من جهة أخري) يكون معدل ازدياد الأموال التي توظف كثمن لهذا الفارق في تعاظم متوال.. ولا شك ان مراقبة الوضع في كل الدول التي طبقت أسلوب الدعم اثبتت بوضوح أن ما تتكبده الدولة في بدايات تبنيها لنظام الدعم يكون هامشيا بالمقارنة بما تتكبده مع استمرار إتباعها لهذا النظام.. فمع السنوات يزداد العبء وتتعاظم تكلفته وتبرز الآثار السلبية له: صغيرة في البداية.. ثم يتعاظم حجمها حتي تصبح كالحريق الذي يأكل كل الأموال بأحجام خطيرة.. ولا يبقي علي أي استثمارات حقيقية كبيرة فمن جهة فان توظيف رؤوس أموال ضخمة تحت بند الدعم هو إهدار لرؤوس أموال ضخمة كان المفروض في ظل الأوضاع السليمة ان تكون استثمارات تعود علي الدولة وبالتالي علي المواطنين بعوائد مجزية ومجدية.. وهكذا يكون أول معني للدعم هو ضياع فرص عملاقة للإنتاج والاستثمار والثروة.. وهكذا فإن الدعم يكون بمثابة إطعام الآباء بدلا من توظيف الأبناء وهي ظاهرة جد خطيرة تستحق عظيم الاهتمام ليس فقط لكونها ظاهرة اجتماعية بالغة الخطورة.. وإنما لكونها في نفس الوقت بذرة كبري من بذور الفوضي الاجتماعية وسببا لا يجوز تجاهله من أسباب الفوران والغليان الشعبي ومن الغريب للغاية ان المشتغلين بالحياة العامة في مصر لم يسبق لأحد منهم ان رأي ورصد وشرح هذا الجانب الخطير لسياسة الدعم هذا الجانب الذي يتمثل في ان( المليارات) والتي خصصت للدعم لن تضيع كلها فقط مع نهاية السنة المالية ولكنها ستمثل في حقيقة الحال ضياع ملايين فرص العمل التي كان من الميسور خلقها للأجيال الجديدة إذ كنا قد أنفقنا هذه البلايين علي إنشاء مشاريع إنتاجية جديدة. ومن جهة أخري فإننا نري أن الغاء الدعم بقرار فوري شمولي هو أبعد الأمور عن حل المشكلة وتوفير المناخ الصحي للتحرك في الاتجاه السليم من قلب دائرة الحركة الاقتصادية السليمة والمنتجة والبناءة, والحل الأمثل في نظرنا ان تكون هناك خطة كاملة شاملة ذات تصور ورؤية واضحة لتخفيض الدعم في حركة تخفيض مستمرة ومتوالية وتواكبها حركة استعمال وتوظيف ناجح للأموال التي تتوافر عن طريق عملية تخفيض الدعم وتوظف في نفس الوقت توظيفا سليما في مجالات استثمارية إنتاجية يكون من شأنها توليد ربحية عالية.. ومن جهة ثانية خلق فرص عمل جديدة عديدة للأجيال الناشئة. ومن الأمور بالغة الأهمية المنوط بوسائل الإعلام القيام بتوضيحها بجلاء لأوسع قطاعات من الشعب في مصر ان المستفيد الحقيقي من الدعم هم الأغنياء وسائر أعضاء الطبقة العليا الجديدة في مصر, وأن الفقراء الكادحين وسائر طوائف العمال والموظفين هم ابعد ما يكونون عن الاستفادة من سياسة الدعم علي المدي المتوسط والطويل.. فاستمرار سياسة الدعم يعني ضمن ما يعني ازدياد معدل فقر هؤلاء وانعدام الأمل في مستقبل كريم لهم ولأبنائهم. ولا شك أن رد فعل سدنة الاقتصاد الموجه وقادة تياره في الحياة المصرية العامة سيكون في البداية عاتيا وقويا ولكن هكذا هو الإصلاح الحقيقي دوما فما هو الا صراع من الكهنوت المسيطر والمنتفع مع شعارات بدت من كثرة ترديد الأفواه لها وكأنها حقائق كبري لا يجوز المساس بها وما هي في جوهرها وحقيقتها إلا الزيف الخالص والبهتان المبين.. و,ان إعلان الحكومة( أيه حكومة) لخطة محددة لترشيد الدعم وتحويل جانب تلو آخر من المبالغ الهائلة التي تنفق عليه إلي بنود استثمارية في شكل مشاريع إنتاجية جديدة لابد وأن يواكبه اتساق مطلق بين الأقوال والأفعال بمعني ان يكون واضحا وجليا امام الشعب, وامام الصحافة, وامام العالم بأثره ان ما يقطع باليمين من بنود الدعم انما يضاف مباشرة وبشكل كامل لبنود المشاريع الاستثمارية الإنتاجية.. وما لم تعط الدولة المثال الواضح علي هذا الاتساق لأصبح من العسير للغاية ان يتوافر رأي عام مؤيد ومساند للدولة في نهجها هذا. وكيل أول وزارة سابق بالمحليات