الإعلام الحر يكشف مشكلات المجتمع, فنتقدم باتجاه حلها, ويضع الحكومات تحت رقابة صارمة وتهديد دائم بكشف الأخطاء والمخالفات والفضائح, فيرفع مستويات الانضباط وكفاءة الأداء في أجهزة الدولة. لكن لدي شكا في أثر الإعلام علي النخب, خاصة نخب الثقافة والسياسة والرياضة. الأمر لا يحتاج أكثر من متابعة سريعة للبرامج الحوارية الكثيرة علي شاشات التلفاز العام والخاص حتي تشاركني هذا الشك. لن أشير بالإسم إلي واقعة جرت قبل أيام تبادل فيها اثنان من نجوم المجتمع في الرياضة والقانون الشتائم أمام ملايين المشاهدين, فالموضوع أشهر من أن نسمي الأشياء بأسمائها. ما شاهدناه علي الشاشة في هذه الليلة هو مجرد عينة مما نشاهده كل يوم بمسميات وفي قنوات مختلفة. المؤكد أن هناك ظاهرة اسمها تدهور نوعية النخب المصرية وتدهور قدرتها علي تبادل راق للأفكار, وأظن أن للإعلام صلة بهذا. الانتشار الواسع لوسائل الإعلام زاد من الطلب علي مقدمي البرامج التليفزيونية ومعديها, وبينما ساهمت المنافذ الإعلامية الجديدة في الكشف عن مواهب وقدرات مهملة, فإن ضرورات ملء ساعات البث الطويلة ببرامج حوارية- هي الأقل تكلفة بين أشكال الإنتاج التليفزيوني المختلفة- سمحت لكفاءات دون المستوي بالدخول إلي المهنة. الأخطر من الكفاءات المتواضعة لمعدين ومذيعين هو الكفاءات المتواضعة للضيوف والمتحدثين, فساعات البث الطويلة وإلحاح البث اليومي لا تسمح بالتدقيق في الاختيار. وسائل الإعلام بطبيعتها جماهيرية الطابع, فنجاح الوسيلة الإعلامية يقاس بحجم جمهورها, لذلك فإنه لا يوجد هناك مهرب من البحث عن الأشياء الجاذبة لملايين المشاهدين. أسهل طريقة لجذب ملايين المشاهدين هي مخاطبة الغرائز والمخاوف, وإسماع الناس ما تحب أن تسمعه وليس ما يجب عليها أن تسمعه. المذيعون والضيوف الشعبويون هم الأكثر ملاءمة لهذه المهمة, أما من هم غير ذلك فعليهم أن يتخلوا عن بعض معاييرهم أمام الكاميرات ووراء الميكروفونات وإلا أصبحوا ضيوفا ثقال الظل غير مرغوب فيهم. عندما تشرع العناصر المحترمة من أبناء النخب الثقافية والسياسية في التضحية بمعاييرها لزوم اللعبة الإعلامية يبدأ تراجع النخبة وتدهورها, وشيء من هذا يحدث في مصر. أخشي أن حالة إعلامية قد تكونت, فأصبح بعض أبناء النخبة يفكرون ويتحدثون طوال الوقت وكأنهم أمام كاميرات التليفزيون حتي تم تعميم الحالة الإعلامية علي نقاشاتنا وندواتنا, فأصبحنا كما لو كنا نخاطب الجماهير الغفيرة طوال الوقت حتي فقدت النخب رونقها وعمقها وبصيرتها.