لم تخرج مصر بجائزة أمس الأحد في ختام مهرجان( أوسيان سيني فان للسينما الآسيوية والعربية) في نيودلهي, لأنها لم تشارك بفيلم في المسابقة, ولكن هذا الغياب, أو الفراغ بالمعني الأدق, عوضه حضور الثورة.. أفلاما ونقاشات ومخاوف! وفي حين أن شياطين الإنس ظهرت بعد الثورة, لتثير أسئلة تافهة حول شرعية تهنئة المسيحي( يقولون: النصراني!) بعيد القيامة, أو برأس السنة, لا تبذل في الهند جهدا كبيرا, في ملاحظة أن الهند هبة الاختلاف الخلاق, وأن عبقرية هذه البلاد( لعله البلد الوحيد الذي كنا ندرسه بصيغة الجمع فنقول: بلاد الهند) في قدرة مواطنيها علي الإيمان بقيمة الاختلاف, إذ يتجاور الفقر والغني ويتداخلان, يكادان يصبحان جوادين لعربة لا بد أن تسير إلي الأمام, ولا تتاح فيها رفاهية النظر إلي الخلف, لكنهم جميعا محبون للحياة, وللفنون ويعتبرون نجما مثل أميتاب باتشان في مرتبة القديسين. يتشابه الهنود في قيم عليا: الذوق الرفيع, والابتسام غير المصطنع, وقلة الكلام, وانخفاض الصوت, والصبر وعدم العجلة رغم عدم انتمائهم ولا معرفتهم بثقافتنا العنيفة التي تقول إن العجلة من الشيطان. يتقاطع الثراء والفقر في أكثر من مساحة, أعمقها الفنون وحب الحياة, فمن لا يحبون الحياة ستظل عيونهم مغلقة باتساع الجحيم. الأثرياء يستمتعون بالحياة, والفقراء يصنعون الحياة, بل إن مجرد استمرار حياتهم أحد فنون هذه الحياة ومعجزاتها. هم لا يتبرمون, فالهنود يحبون الرقص والموسيقي, ثم جاءت السينما فنا سابعا يستوعب الفنون الستة السابقة, فصارت أميرة يخطب الجميع ودها, لتصير الهند في صدارة منتجي الأفلام ومستهلكيها, ويمكن تفسير هذه الغزارة في ضوء الجنون بفتنة السينما, التي ليست في كل الحالات حياة بديلة, لكنها سحر أسمي, يوحد في التلقي أغنياء وفقراء لهم الجنة. إنها فن راق يجعل الحياة ممكنة, كما أصبحت جسرا سحريا بين فقراء يستهلكون الأفلام, وأغنياء يصنعونها أو يرعون مهرجاناتها. هناك أغنياء يدللون السينما, ولا يمنون عليها بما يراه غيرهم بذخا, ولا ينتظرون شكرا. من هؤلاء نيفل تولي رئيس مؤسسة أوسيانس للفنون. ومؤسسته أهلية مستقلة تعني بتنظيم المعارض التشكيلية, وبيع اللوحات الفنية, وترعي هذا المهرجان المستقل الذي أسسته وتولت رئاسته الناقدة أرونا فاسادييف في دوراته الأولي. أمام مجمع( سيري فورت) الذي يضم أربع صالات للعرض, يبدو المشهد مختلفا, يؤهلك نفسيا للدخول إلي دنيا الأفلام. فإذا دخلت, ستجد عشرات من الملصقات الأفيشات, لأفلام هندية, ونظم المهرجان مزادا علنيا لبيع أفيشات أفلام هندية يمكن تقليده في مهرجان القاهرة لصالح إنتاج أفلام قصيرة مثلا. وعرض المهرجان نحو175 فيلما, واحتفل بمرور100 عام علي السينما الهندية, ونظم برنامجا عن الربيع العربي تضمن ندوة شارك فيها المخرج أحمد رشوان والناقد طارق الشناوي, إضافة إلي عرض فيلمين تسجيليين مصريين هما( كلمات شاهدة) لمي إسكندر, و(مولود في25 يناير) الذي يوثق فيه أحمد رشوان يوميات الثورة التي انتهت بخلع مبارك. وقد شارك المخرج مجدي أحمد علي في عصوية لجنة تحكيم مسابقة الأفلام الآسيوية والعربية التي منحت جائزة أفضل عمل للفيلم التركي( في الداخل). ونال فوزي بن سعيدي جائزة أفضل مخرج عن فيلمه( بيع الموت) الذي شارك فيه بالتمثيل كعادته في معظم أفلامه. وذهبت جائزة التمثيل لبطلي الفيلم الإيراني( استقبال متواضع).. الممثلة ترانه عليدوستي والممثل ماني حقيقي. أما جائزة لجنة التحكيم الخاصة فحصل عليها فيلم( بطاقات بريدية من حديقة الحيوان) للمخرج الإندونيسي إدوين. وحصل الفيلم الياباني( ميلوكرورز: قصة حب) علي تنويه خاص بالفيلم وأبطاله. أما في مسابقة الأفلام الهندية ففاز فيلم( بي. ايه. باس) بجائزة أفضل فيلم, ونال بطله جائزة أفضل ممثل. وفازت المخرجة أجيتا سوشيترا فييرا بجائزة أفضل مخرجة. ونالت بطل فيلم( كوزميك سكس) جائزة أفضل ممثلة. وكرم المهرجان اسم المخرج الهندي ماني كول(1944-2011) وعرض عددا من أفلامه ومنها( هانزا) الذي نال جائزة لجنة تحكيم الصحافة الدولية( فيبريسي). وكرم المهرجان في حفل الافتتاح الناقد الكبير سمير فريد ومنحه جائزة( إنجاز العمر في الكتابة السينمائية) وقدرها عشرة آلاف دولار وهي جائزة يمنحها المهرجان للمرة الثانية منذ انطلاقه عام2000 حيث كانت مسابقته خاصة بالأفلام الهندية. ومنذ عام2007 أضيفت مسابقتان للأفلام الطويلة والقصيرة من آسيا والعالم العربي وتغير اسم المهرجان وأصبح للسينما الآسيوية والعربية ويتولي الناقد العراقي انتشال التميمي مسئولية القسم العربي, أما المدرة الحالية للمهرجان فهي إندو شريكينت.