بالطبلة والزمارة تارة, وبالقلم تارة أخري, وباللسان الزائف تارة ثالثة, يتباري المنافقون في مدح الرئيس الجديد وتعظيمه والثناء عليه, ينتظرون أية حركة أو إيماءه أو حرف يصدر عنه, فيبالغون في نسج قصائد المديح ويدللون بها في سوق الإعلام مداخلات ولقاءات علي الفضائيات المفتوحة علي البحري ليل نهار, وتغريدات علي تويتر ورسائل علي الفيسبوك يريدون بها سرة الدنانير وذهب المعز. النفاق وأصول التطبيل مدارس ومذاهب كما الشعر والأدب والرقص, لكل مدرسة منهجها وتعاليمها ووسائلها وطلابها يختلفون في الهيئة ويتفقون في الهدف, والناتج واحد: خلطة سحرية يعدونها داخل مطبخهم الملعون فيصنعون منها ديكتاتورا ويخرجون منها عجلا جسدا له خوار, وفرعونا جديدا تجري الأنهار من تحته ويعلو في الأرض ويجعل من أهلها شيعا يستضعف طائفة وتستقوي به طائفة أخري, فيعم الخراب ويهلك الحرث والنسل, ويناضل الثوار الأشقياء عشرات السنين مرة أخري بدفعة جديدة من الأرواح, وسيل جديد من الدماء لإغراق فرعون وإسقاطه من فوق صرحه الذي بناه هامان وجنوده ليبلغ أسباب الخلود السرمدي حتي يأخذه الله أو نهلك دونه. لا أجد مبررا لمن يقبلون حذاء السلطان, كما لا أجد غاية للذين تطوعوا مبكرا لنفاق الرجل الذي لم يمض علي تنصيبه رئيسا سوي أيام معدودات, ولم يستوعب بعد المصيبة التي رزئ, بها أن يحكم وطنا لم يتطهر بعد من جذور الفساد والأفاقين الذين تغلغوا في طينه كالسرطان, لا أجد عذرا لمن يبحثون عن أجود أنواع العجوة ليصنعوا منها إلها يسجدون له ويعبدونه وله يشكرون. لو فتشت عن الأسباب, ستجد بعد عناء طويل أن هؤلاء الذين يبحثون عن دوائر الضوء ليعرضوا فيها ما أبدعوه من قصائد النفاق ويسبحوا بحمد الملك, ويزينوا له سوء عمله فيراه حسنا, لايحبون الحرية والكرامة التي فطر الله الناس عليها, ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر( الاية رقم70 من سورة الإسراء) لقد أدمنوا طوال عهد النظام السابق أن يكونوا بوجهين: واحد للبيه المسئول والآخر للمواطن المسحول, وكما الحرباء لكل موقف لون.. أمين الشرطة هو الباشا والضابط هو معالي الباشا وأستاذ الجامعة هو الأفندي أو عمي الحاج أو ينادونه يا معلم إن بالغوا في احترامه وتقديره لأنه في النهاية مجرد موظف عمومي لايملك سوي مرتب شهري منزوع السلطة والجبروت. ورغم أن مصر دفعت ثمن هذا الغباء من أكبادها ودمائها لتسترد حريتها فإن هؤلاء الأغبياء مازالوا يصرون علي تكبيدنا المزيد والمزيد ويختزلون أعظم حضارة عرفها التاريخ في شخص يحمل الصولجان والخاتم الملكي, قاتلهم الله أني يؤفكون. إنها السلطة الملعونة التي نعشقها ونتمرغ في ترابها, حتي أصبحنا نبحث عمن يتسلط علينا, فإن كان طيبا شعوذناه, وإن كان صادقا أمينا علمناه الكذب والسرقة ولو ورث عدل عمر حولناه إلي الحجاج بن يوسف في هذا الزمان. سأكون حسن النية, ولا أملك غير ذلك, لن أسئ الظن برجل يدرك جيدا أنه رئيس مصر الثورة, لنقل إن الرئيس الجديد لم يطلب من أحد أن يقبل يده أو ينحني أمامه راكعا, ولكن عليه أن يتذكر في كل لحظة أن الحاشية الفاسدة وبطانة السوء والمنافقين اسقطوا عروشا وممالك ودولا قبله. والسؤال الآن: هل سيكمل أستاذ هندسة المواد, صاحب العقل البحثي, الذي يحفظ من القرآن الكريم لقد كان في قصصهم عبرة هل سيكمل علي هذا الدرب أم يغلبه ذلك التيار الجامح وتغرق سفينته تلك الأمواج العالية؟ أيا كان الأمر, فإن النصح واجب والأمانة تقتضي أن نذكر الرئيس الوليد بأن يحذر المنافقين الذين يخادعون الله فجعلهم في الدرك الأسفل من النار, ويمالئون الحكام ويفسدونهم فجهز لهم التاريخ المزابل وغضب الشعوب ومقاصل الثوار هم ومن أفسدوه ولئن لم ينته المنافقون والذين في قلوبهم مرض فلا صوت يعلو فوق أصوات الملايين إذا ما خرجت إلي الميادين هاتفة الشعب يريد ولن تهدأ أمة تريد الحرية إلا بتحرير رقبة من أذلها وكسر إرادتها إن كان أحد يستطيع أن يكسر إرادة شعب فهذا لم يحدث ولن يحدث, هكذا يقول التاريخ. وللرئيس قبل الحاشية في النهاية كلمة: احترام رئيس الجمهورية واجب, لكن نفاقه جريمة, والتطبيل له كبيرة, وفرعنته إثم كبير, وما حسني مبارك منكم ببعيد.