من أهم خصائص الثقافة المصرية المعاصرة سرعة مواكبتها للأحداث الجارية والحالة السياسية, وقد ظهر ذلك جليا في أعقاب ثورة يناير, بما فجرته من طاقات وتداعيات سياسية واجتماعية وثقافية وحيث إن اللغة بمثابة كائن حي يتطور بتطور المجتمعات ويعكس التغيرات والأحداث التي تتفاعل بداخله, فيمكننا أن نقرر أن المصريين لديهم براعة فائقة في التعبير الرمزي وخاصة في عهود القهر والاستبداد تجنبا لبطش الحاكم وزبانيته, وقد حررت ثورة يناير المصريين من لغة التلميح الي التعبير الصريح, ولم يكتفوا بذلك, بل أسقطوا خفة دمهم وروحهم الفكاهية علي لغتهم عند تناولهم للأحداث الجارية والتطورات السياسية, كما استحدثوا تعبيرات مركبة أو محورة تعكس وجهات نظرهم وآراءهم الساخرة تجاه كثير من الألغاز التي تمخضنت عنها الأحداث والتداعيات السياسية والحزبية والانتخابية, وبرع بعض الكتاب والصحفيين في استحداث بعضها واختص منهم دكتور معتز عبدالفتاح والكاتبين محمود خليل ووائل السمري, وقد دفعني اهتمامي بهذا الموضوع لجمع وتوثيق هذه التعبيرات والمصطلحات المستحدثة ذات الدلالة حتي تكون محل دراسة وتحليل من علماء اللغة والاجتماع والاعلام السياسي, وفيما يلي عرض لهذه التعبيرات والمصطلحات بداية بالأحدث منها: تسونامي إعلامي: وهو تعبير أطلقته حملة شفيق علي ما قامت به حملة مرسي في التكثيف الاعلامي الخاص باعلان نتيجة مرشح الاخوان من مؤتمرات صحفية وبيانات اعلامية واحاديث تليفزيونية ومنشورات وصور محاضر علي المواقع الالكترونية. إذعان الطرطوري: هذا تعبير ينم عن ابداع حقيقي من الأستاذ وائل السمري بعد تحريفه لتعبير إعلان دستوري, ويقصر أن المجلس العسكري بإصداره ذلك الاعلان المشبوه الذي يكون بمقتضاه هو الحاكم الفعلي والرئيس المنتخب يذعن له. الإنقلاب الدستوري المكمل: ويقصد به طبعا في نظر الكثيرين ما احدثه الاعلان الدستوري المكمل من انقلاب علي الشرعية وأنه لم يصدر عن ارادة شعبية أي الاستفتاء أو بالتشاور مع الأحزاب والقوي السياسية فمحتوي وطريقة الاعلان اعتبرت انقلابا. الصناديق الانتقالية: ويقصد بها الصناديق نصف الشفافة كالتي استخدمت في انتخابات مجلس الشعب والبلاستيكية التي رأيناها في انتخابات الرئاسة فهي ملائمة للمرحلة الانتقالية, كما لو أن لسان حالها يقول نحن صناديق المرحلة الانتقالية. خابور استراتيجي: وهو تعبير محرف عن الاصل وهو خبير استراتيجي, حيث ازدحمت الفضائيات بعدد من المرتزقة تحت اسم خبير استراتيجي, ويملأون الدنيا ضجيجا وهم انصاف متعلمين حيث يرسخون الفكر الاستراتيكي كما سيرد بيانه أدناه. الغرانيق العلا: وهو من ابداعات محمود خليل وهو لا يبتعد عن التعبير السابق حيث يقصد به الطيور البيضاء وقد استخدمه كفار قريش كرمز لاصنامهم والدلالة هنا علي الكتاب والمحللين الذين يغرقوننا في التنظير والتحليلات التي لا اساس لها من الواقع ويتكلمون من ابراج عاجية. المرحلة الانتقامية: والتي بدأت بعد11 يناير2011 كمرحلة انتقالية حتي تستعيد الدولة مؤسساتها الديمقراطية, ولكن ما صاحب هذه الفترة حتي الان من احدث دموية وتداعيات سلبية وارتباك وفوضي واحباط, فاطلق عليها البعض بحق المرحلة الانتقامية. التفكير الاسراتيكي: وهو نمط التفكير الذي ساد خلال المرحلة الانتقامية حيث غياب الرؤية وحالة الضبابية واختلاط الآني بالأجل وعدم التمييز بين ما هو استراتيجي وما هو تكتيكي, والمحصلة هو جنين مشوه الاستراتيكي. المواطن السوستة: ويرمز إلي ثقافة مصرية تمجد الحكام الفراعنة ويتحول المواطن في ظل هذا الحكم إلي سوسته مرنة لخدمة توجهات الحكام. المرشح السويتش: وقد اطلق هذا المرشح الرئاسي الذي صرح بانه يستطيع حل كل مشكلات مصر بالتليفون لعلاقاته المميزة داخليا وخارجيا. العسكري اللي ورا الأستاذ: وظهر بعدما صرح وزير التعليم العالي بأن كل أستاذ يحتاج عسكريا يحركه لكي يعمل, وحسب د. محمود خليل صاحب هذا التعبير فانه بدلا من عسكرة الأساتذة يجب أستذة العسكر وحينها تتقدم الجامعات وتتطور مصر. المرشح العاطفي: وهو ذلك المرشح الرئاسي الذي أفرط في حب الرئيس المخلوع والتعاطف معه وصاحب فكرة توزيع بونبون علي شباب التحرير. النظام العسكراني: وهو نظام مستحدث في مصر لا هو رئاسي ولا هو برلماني وانما يجمع كل السلطات في يد المجلس العسكري وخاصة طوال الفترة الانتقامية حيث كان بيده سلطة التشريع والسلطة التنفيذية. هذه أهم التعبيرات التي استحدثهما المصريون خلال الفترة الانتقامية آسف الانتقالية والتي تنم عن ابداع فطري متواصل عبر الأجيال, ونأمل أن نعبر هذه المرحلة بسلام في ظل أول رئيس منتخب, فمبروك للدكتور محمد مرسي وندعو الله أن يعينه علي الوفاء بتوقعات المصريين, وأن يكون نعم الراعي لأشرف رعية.