أقام مهرجان الإسماعيلية الدولي للأفلام التسجيلية والقصيرة مساء أمس ندوة مهمة بعنوان ربيع الوثائقي- برعاية قناة الجزيرة الوثائقية- عن أفلام الثورات العربية الوثائقية من خلال ثلاثة محاور. واقع هذه الأفلام قبل الربيع العربي, وتقييم الأفلام التي صنعت عن الثورات العربية, ومستقبل هذا النوع من السينما بعد الربيع العربي. أدار المحور الأول نبيل العنتيبي, مدير قسم الإنتاج بالجزيرة الوثائقية, وشارك فيه المخرجان التسجيليان المصريان عماد أرنست وأسعد طه, والناقد المغربي أحمد بو غابة, بحضور الناقد أمير العمري, مدير مهرجان الإسماعيلية.. وتحدث طه عن ثلاثة تحديات تواجه هذا النوع من السينما هي: مفهوم الفيلم الوثائقي نفسه, حيث يختلف حوله الكثيرون بين التسجيل والتحقيق والتعليق أو التحليل, وكوادر الفيلم الوثائقي المختلف حولها أيضا بين الباحث أو المعد, والمنتج أو مدير الإنتاج, والمخرج الذي يجب أن يكون علي قناعة بأهمية الفيلم الوثائقي وألا يقدمه لأنه لا تتوفر لديه فرصة إخراج فيلم روائي.. أما التحدي الثالث الذي تطرق إليه أسعد طه, فهو تدني الميزانيات التي تخصص لإنتاج الفيلم الوثائقي العربي مقارنة بالإنتاج العالمي.. فالقنوات الفضائية, التي تدرك أنه يمكنها شراء الفيلم بعد إنجازه بأسعار بخسة, لا تقدم علي صرف ميزانيات كبيرة لإنتاجه, فضلا عن المعوقات الأمنية التي تواجه صناع الأفلام والرقابة الذاتية التي يفرضونها علي أنفسهم ليتجنبوا الصدام مع الرقابة الرسمية. وقال عماد أرنست إن المخرج يتحمل وحده المسئولية الكاملة فيما يخص المعوقات الأمنية والرقابية وكذلك تدبير مصادر التمويل اللازمة لفيلمه.. وأوضح أن جهات التمويل تقدم إسهامها المادي علي أساس اتجاهاتها السياسية, وضرب مثلا بقناة الجزيرة الوثائقية التي قال إنها منذ بداية الألفية الثالثة تقصر دعمها المادي علي مجال واحد هو حقوق الأقليات. وأضاف أنه منذ عام1998 خارج سياق المؤسسات الرأسمالية, ويعتمد علي نفسه تماما في تدبير التمويل. وأشار إلي أنه قضي ستة أشهر علي خط القناة ليصنع فيلمه كراسي جلد, ويبحث في الأسباب التي أدت- في وقت لاحق- إلي قيام ثورة25 يناير, حيث انتهي من الفيلم في7 يناير2011. وقال إن كثيرا من المخرجين يصفون أنفسهم بالمستقلين في حين أنهم يحصلون علي الدعم من عدة جهات, موضحا أن المستقل في رأيه هو من يحمل الكاميرا الخاصة به أو تليفونه المحمول ويصور ويصرف من جيبه من دون أن يضع في اعتباره أو يهتم بالعرض في القنوات الفضائية المعروفة. وحدد أمير العمري ثلاثة أنواع من الفيلم الوثائقي كانت سائدة قبل اندلاع الربيع العربي, وهي: الدعائي الذي تموله الحكومات أو أي جهات تريد الدعاية لشيء ما, والنقدي الذي يشتبك مع الواقع والذي من المفترض أن يختلف عن التحقيق التليفزيوني, والثوري الذي لا يخضع لأي قيود ولا تموله أي جهات وكان يواجه بالرفض والقمع والمطاردة, وهذا النوع هو ما أتاحت له الثورات العربية أن يستمر ويتطور ويحصل علي مزيد من الفرص. أما المحوران الثاني والثالث, فأدارهما الناقد المغربي أحمد بو غابة في حضور العمري.. وشارك في الثاني مالك خوري, رئيس قسم الفنون بالجامعة الأمريكية, والمصري أحمد زين, منتج الأفلام الوثائقية, الذي دافع بشدة عن الثورة ومن فجروها من الشباب. وأضاف أن مفهوم الشاب لم يعد المقصود به من يبلغ25 أو30 عاما, موضحا أن هناك من يصنعون الأفلام الوثائقية وهم في السادسة عشرة فقط من أعمارهم, من دون تعليم أو خبرة, متسلحين فقط بموهبتهم وثوريتهم. وركز خوري في حديثه علي إشكالية قديمة لا تزال تواجه الفيلم الوثائقي, وهي التفاعل الإيجابي بين إنجاز الأفلام وبين أطر عرضها ووصولها للمتلقي, مشيرا إلي أن تلك الأفلام- مهما بلغت درجة جودتها وجديتها- لن تكون لها قيمة حقيقية إلا إذا وصلت للمتلقين المستهدفين, ولن يتحقق ذلك إلا بتوسيع أطر العرض وتكثيف تواجد السينمائيين بالتجمعات الشبابية. وشارك في المحور الثالث الناقد والمخرج عدنان مدنات والناقد عصام زكريا, الذي شدد علي أن الأفلام الحقيقية عن الثورات العربية لم تصنع بعد, لأن هذه الثورات لم تكتمل أصلا, مشيرا إلي أن الأجيال السابقة بعيدة تماما عن شباب الثورة. أما مدنات فقال إنه يجب علي السينما التسجيلية ألا تتبع نشرات الأخبار, وأن تقدم المتميز عنها. وأضاف أن الجزء الثاني من الفيلم الوثائقي الطيب والشرس والسياسي, أي الشرس, كان أكثر الأجزاء الثلاثة نجاحا لأنه قدم ما لم تقدمه أخبار التليفزيون, وهو أحداث الثورة من وجهة نظر ضباط الشرطة.