(1) قالت والصوت الراعد ينفجر في الشارع الجانبي: لا تخرج معهم!! كيف والوطن يضيع من بين أصابعنا؟!! لن تصلح الكون, أتستطيع أنت ومن حولك من هؤلاء الضعفاء الوقوف في وجه الريح؟ فقال: منذ عام زلزلت الأرض من تحتهم. أين؟ ومتي؟ في المحلة مهد الثورة المشاركة, والبروفة المصغرة. مهد إيه؟ وبروفة إيه؟ أنت غارق في الأوهام, أنت ومن معك من كفاية و6 أبريل وغيرهم, ستصعقكم رياح أعتهية حالكة!! كما يفعل المس الشراري بالأبرياء!! تماما كما تقول!! وقالت: خاف علي نفسك يا عمر, وعلي ابننا اللي في بطني, إذا ما ضعت فمن له من بعدك. إذا فكرنا بهذه الطريقة فتلك مصيبتنا جميعا!! ومن أجل هذا الخرف سنعيش دوما كالعبيد. فقالت: مالناش دعوة بالسياسة, اعمل معروف, فجدي كان دوما يحذرنا من دربها المظلم. أمثالك يقتلون فينا الروح العاشقة لأنسام الحرية. فقالت: لا تنزل معهم, خلينا جنب الحيط. (2) يخرج إلي الشارع الضيق والهتاف يتصاعد: يسقط.. يسقط.., يشير ذو الشارب الكث بيديه, يتبع الإشارة نظرة حادة خارت لها الأوصال, أتباعه يحيطون بالشارع من الجوانب الأربعة, يحاولون المروق إلي الشارع الرئيسي, إلي الشوارع الأخري الجانبية, يرتفع صياحه بحنجرة رهيبة: شدوا القبضة.. امنعوهم من الوصول بأية وسيلة, ممنوع الفرجة يا أستاذ, إذا كنت تريد أن تعبر عن نفسك فادخل معهم, يضرب كل من يحاول الخروج بعيدا عن هذا النطاق الضيق, كل من يقف للمشاهدة تشج الرءوس, وتنزف الشفاه. (3) بعد ساعتين.. تسكت الأصوات, يتفرق الجمع, يترنح عائدا إلي منزله, ورأسه المشجوج يؤلمه, تستقبله باكية, وقالت بصوت ناعم: كدا يا عمر.. مش قلت لك.. كويس كده. فقال: دمي فدا مصر. دمي إيه بس يا عمر, مش ها تقدروا تعملوا حاجة, ماذا غدا سيسري النور مقتحما كل المدائن بسرعته المعروفة في قانون الفيزياء. فردت: أنت وزملاؤك غارقون في كهف أمانيكم الخرقاء.. اتركوا الأمر للخالق. رنا إليها معاتبا, فاغررقت عيناها وقالت بصوت كالهمس: ياعمر ياحبيبي المكتوب مكتوب, حتي لو غيرتوا النظام. صدمته القولة فتاه واضمحل وتهاوي علي المقعد. (4) ينجبان ابنهما الأثير, يقتحم النور الشبكات العنكبوتية, تفشل قوي الشر في وقف الجموع الهادرة بالملايين, النور يحرق أماكن الظلم والجبروت, يسقط آلاف الجرحي, ومئات القتلي, واللحن لا يتوقف عن العزف, تتبدل الأحوال, وتسقط قوي الشر, يترنج المحاسب الموهوب ويتوه, يسقط شهيدا ودماؤه تعانق الألوان الثلاثة. (5) تنفطر القلوب حسرة عليه, يموت أبوه بأزمة قلبية, أمه تفقد النطق, تتشح رفيقته بالسواد, والدمع الصامت, تتوه في وادي الذكريات, كلماتها الرنانة تصطدم بأذنيها, ترتعش شفتاها, الهواجس تحيط بها, تخنقها, يتحول الهاجس إلي حقيقة, كان محاسبا مرموقا, يطلبه الأفراد وأحيانا الشركات بالاسم, يسقط في ثلاثينيات العمر, تنفد مدخراته الصغيرة, يترك من بعده فريسة للتيه والتشريد, يعجز كل من حولها عن توفير أعباء الحياة اليومية, يتنصل آخرون, الصدمة المدوية كانت ممن؟!! تنتحب وتتذكر الحوار الدامي محمد حسين سوسة