يمكن ان نعرف معني اليتم إذا ما عرفنا أن الوليد حين يلتصق بثدي امه ساعة الرضاعة فهو لايستمد منها اللبن اللازم لحياته فقط وانما يستمد ايضا الأمن والحب والحنان والسكينة ويبعد عن نفسه. وهو لايزال في ايامه الأولي في الحياة الوحشة والغربة اللتين لقيهما حين نزل من بطن أمه حيث كل شئ كان متاحا له وهو داخل ذلك الحصن الرباني الدافئ. الطفل إذن تكون الأم بالنسبة له هي العالم كاملا.. هي حاضره ومستقبله وأمنه وامانه يأخذ منها كل ما يحتاج حين يلتصق صدره بصدرها اثناء الرضاعة ويستمع إلي دقات قلبها وهي تغني له.. وبتهدهده.. وترقص له بما حيله الله عليها من أمومة وتعلق بوليدها.. فالحب بينهما متبادل والعشق بينهما حياة مكتملة. فاذا ما حرم الطفل من أمه في أيام أو سنوات حياته الأولي فيمكنك ان تتخيل اي هوة وقع فيها من عرشه وأي غربة ووحشة يحس بها بين ضلوعه.. واي ظلام دامس هو ملاق في اي مكان ينظر إليه.. لقد سقط من عليين إلي اسفل سافلين انه يمد يده الصغيرة في الفراغ طالبا النجد طالبا الانقاذ.. طالبا التعويض.. طالبا الرحمة. لقد قال النبي الكريم ذو الخلق العظيم ان كافل اليتيم سيأخذ جزاءه في الجنة.. وكافل اليتيم هو المتكفل به.. هو الأم البديلة أو الاب البديل.. هو الرحمة التي ستعوضه.. ولو قليلا عن غياب الأم أو الاب أو كليهما معا. لايحس باليتم إلا اليتيم نفسه.. انه وحيد في الحياة.. لايجد الصدر الحاني ولا الاذن المستمعة لشكواه.. ولاحتي الاحلام السعيدة التي تعوضه في نومه عن احاسيسه بالوحشة في النهار. ان الناس في زحمة الحياة وفي صخبها وضجيجها ملهيون.. لايكادون يرون سوي انفسهم لكن الله وضع في قلوب البعض ذلك الشعاع المضيء من الرحمة القادر علي رؤية غيرهم ممن ظلمتهم الحياة.. علي رؤية هؤلاء الاطفال التائهين المحرومين والمحتاجين بشدة إلي الحنان.. وإلا فالبديل هو العشوة المتبادلة.. الناس تتجاهلهم فيشبون علي القسوة.. وكراهية الناس والمجتمع والوطن بل والسعي إلي ايذائه.. ليصبحوا كما نطلق عليهم اولاد الشوارع. لقد احسنت مصر المحروسة صنعا حين نبهت العالم إلي يوم خاص باليتيم يوم للرحمة.. في مقابل تلك الأيام العديدة.. للقسوة.. والانانية.. وقتل الناس بعضهم لبعض كما نري حولنا كل يوم. [email protected]