رصد تقرير لجنة الشفافية و النزاهة حدوث نحو70 ألف قضية فساد كل عام في الجهاز الإداري للدولة, وأشار إلي حفظ نحو40 ألفا منها, والحكم في أقل من ألفي حالة فقط سنويا. ماسبق جزء من تقرير اللجنة شبه الحكومية, فهي من جهة تابعة لوزارة التنمية الإدارية ومن جهة أخري تضم شخصيات عامة غير حكومية و بعضها من أجهزة رقابية, غير أن التقرير لم يشر إلي مصير بقية حالات الفساد, التي يبدو أنها لا يستدل عليها. باديء ذي بدء ليس كل بلاغ عن إتهام بالفساد هو حالة, وليست كل حال دليلا علي حدوث الفساد, ذلك أن التيقن من المخالفة يتطلب أدلة محددة علي أساسها يمكن الحكم بوجود المخالفة, لذا ليس كل حديث عن الفساد صحيحا, ومن الصعب الاكتفاء بالأحاديث المرسلة للتدليل علي انتشار الفساد. لكن في المقابل يعد المؤشر الانطباعي واحدا من أهم الأساليب في الحديث عن انتشار الفساد من عدمه في المجتمع, والسبب في ذلك يرتبط مباشرة بطبيعة القوانين في المجتمع وإذا ما كانت قادرة علي التعامل مع الظاهرة, وإذا ما كانت تتيح إمكانات للوصول إلي المعلومات. وجود لجنة شبه حكومية تصدر مثل هذه التقارير, وتنتهي إلي مثل هذه المستخلصات مؤشر إنطباعي ودليل مهم علي رغبة جادة لدي الحكومة في رصد ظواهر وحالات الفساد ومكافحتها, خصوصا داخل الجهاز الإداري للدولة, وهو الأهم و الأخطر في هذا الصدد. و السؤال الذي يطرح نفسه بإلحاح في هذا المقام: ما هو مصير التقارير السنوية التي تصدرها اللجنة, وهل تمثل جزء من خطط الحكومة لتعديل التشريعات والإجراءات المعنية بمكافحة الفساد وضبط الفاسدين؟ لقد انتهي تقرير اللجنة إلي ضرورة إصدار قانون الشفافية و تداول المعلومات الذي يتيح الفرصة كاملة للحصول علي المعلومات والبيانات الصحيحة, وهو استخلاص مهم يؤشر ضمن جملة من المعاني إلي قصور في الأدوات التشريعية الوطنية لمكافحة الفساد. شكرا للحكومة علي هذه الخطوة المهمة.. ولكن الشكر الأكبر حين تتحول نتائج هذه التقارير إلي تشريعات وقرارات و إجراءات, وقتها لن يصبح للمؤشر الانطباعي عن الفساد أي أهمية. مكافحة الفساد تتطلب ثقة الناس في فاعلية القوانين و الإجراءات. [email protected]