لقد استطاع كيلاني ان يجرح القاهرة القديمة بضواحيها وشوارعها المؤرقة في كتابه البديع بهذه العبارة يقدم طارق هاشم مدير تحرير سلسلة ذاكرة الوطن الصادرة عن الهيئة العامة لقصور الثقافة احدث اصدارات السلسلة ترام القاهرة للكاتب الراحل محمد سيد كيلاني. في هذا الكتاب الذي تعيد هيئة قصور الثقافة اصداره عبر سلسلتها التي حققت نجاحا لافتا منذ اول اعدادها المغني المصري ثم احدثت ضجة لم تهدأ بعد بثاني اصداراتها المعلم يعقوب يرصد الكاتب الراحل محمد سيد كيلاني ما احدثه انشاء الترام من نقلة اجتماعية بالقاهرة في مطلع القرن الماضي. يقول علماء الاتصال ان تعقيد اشكال الاتصال وتنوعها يعد هو العنصر المؤسس لتطور المجتمعات بدءا من البدائية الفردية الاولي وصولا الي المجتمع المدني الحديث فقد كان الاتصال هو مادفع لتكوين القبيلة ثم ادي الاتصال لتشكل القري فالمدن ثم ادي الاتصال الي تكوين الدولة, فالاتصال هو صانع الحضارة عبر ادوات قوامها الاتصال واهمها اداة السياسة. هذا المفهوم يعكسه كيلاني عبر كتابه اذ يوضح كيف ادي ماقدمهالترام من سهولة في الانتقال والاتصال بين سكان القاهرة الي تعقد المجتمع وتكون مايسمي بالرأي العام فيقول: لما كثر اختلاط سكان العاصمة وعظم امتزاجهم اثر انشاء الترام بدأ الرأي العام يتكون وبات له خطره وتأثيره علي الاجهزة الحاكمة. ويرصد كيلاني هنا كيف بدأت المظاهرات ضد الاحتلال البريطاني انطلاقا من احتفال تم في الازبكية عام1897 شارك فيه الاغنياء والفقراء الذين انتقلوا اليها عبر الترام للاحتفال بعيد جلوس السلطان الخليفة العثماني لتكون هذه في رأيه اول تظاهرة شعبية حقيقية ضد قوات الاحتلال ودولتها. لاينبهر كيلاني بالتطور الشكلي الذي اضفاه الترام من تراجع الاعتماد علي الحمير والبغال في الانتقال بل يبحث فيما خلف هذا الشكل فمع ثورة الكهرباء الحضارية المبهرة التي تمثلت في الترام يلفت كيلاني الي التحولات الاجتماعية التي أحدثتها هذه القوة الجديدة فيقول في مقدمته فلما انشئ الترام, حدثت قورة هائلة في جميع نواحي الحياة القاهرية, فطاب السهر واصبح في متناول الجماهير وبخاصة الشبان الذين كانوا يقضون الليل في الملاهي والمراقص وبدأت الروابط الاسرية في التفكك وضعفت رقابة الاباء علي الابناء. عبر فصول متتالية يرصد الكاتب صاحب في ربوع الازبكية واشعار طه حسين الحياة الفكرية والثقافية والفنية وتأثيرها بالترام, ففي فصل يحمل عنوان الترام والحركة الثقافية يقول كيلاني: لما سهل علي سكان العاصمة الانتقال,كثرت الجمعيات الادبية والعلمية والدينية...وكثرت الجمعيات الخيرية التي قامت بدور عظيم في نشر التعليم بافتتاح المدارس الابتدائية والثانوية للبنين والبنات.وانتشرت المدارس الليلية وظهر اثر ذلك في زيادة الاقبال علي التعليم العالي فبعد وجود الترام بعامين تقدم21 طالبا للالتحاق بمدرسة الطب, في حين كان عدد الطلاب الذين تقدموا للالتحاق بها في المدة من1892 الي1895 احد عشر طالبا فقط. ومنذ ذلك التاريخ زي تاريخ انشاء الترام اخذ الفكر المصري يتطور ويندفع للامام بخطي ثابتة واقتنع المصريون بفائدة العلم الحديث بهذه العبارة يرصد كيلاني اثر الترام في الحياة الفكرية المصرية علي حد توصيفه ولايكتفي بطرح الاستنتاج العام الوارد في العبارة السابقة بل يفصل في الفصل الحامل لعنوان الترام والحركة الفكرية كيف كانت معجزة الكهرباء التي شهدها اهل القاهرة متمثلة في الترام ذات اثر واضح في بداية التفات مصر شعبها ومثقفيها لاهمية تبني العلوم الحديثة ففي هذه الفترة قامت حركة طلاب وشيوخ الازهر المطالبة بادخال العلوم الطبيعية الي جانب العلوم الشرعية في الدراسة بالازهر. ولايكتفي الكاتب بهذا الرصد بل يلفت الي نهوض اهل الدين لرفض المفسدة الجديدة الترام التي ادت لانتشار العربدة وضيعة الدين وعدوا وجود الترام من علامات قيام الساعة,لايسخر منهم كيلاني بل يورد اراءهم واراء معارضيهم مكتفيا بالرصد والتسجيل, مشيرا الي ان هذه المفسدةالترام استطاعت ان تصل بين المصريين والغربيين وتطلعهم علي مافاتهم من سبل راحة العيش فبدأ سقف تطلعاتهم ومطالبهم في الارتفاع وعرفوا ان لهم حقوقا لدي الحكام وانبعث فيهم الشوق لمجاراة الغربيين والتمثل بهم في العمل والنشاط للحصول علي النعم.