في واحدة من تداعيات التقدم للخلف ما تتعرض له مصر الآن من ظواهر بينها ظاهرة الترييف للحضر والبشر, وما نراه من تسرب مظاهر التخلف الملازمة لتآكل القيم والمبادئ القانونية والقيم الحضارية. من المعلوم ان التراجع يتمثل في سلسلة تجذب إحداها الأخري فما أن يحدث تراجع أو تأخر في مجال من المجالات إلا كان له تداعياته علي المجالات الأخري ولنجد أنفسنا في النهاية امام سلسلة من التداعيات التي تشد للخلف ولمزيد من التراجع من ذلك ما حدث من سيادة الأحكام العرفية وانتشار ظاهرة حقي بيدي وكأننا لسنا في دولة ولايحكمنا قانون عام وحيث تنتشر القبلية ويتفشي التمييز, ويحدث التشرذم والتي تنتهي بالظاهرة الخطيرة الدخيلة, والتي تتمثل في العقاب الجماعي والتي تتمثل في خلق صراعات داخلية وفي ظاهرة العقاب الجماعي الممتد من صعيد مصر التقليدي إلي الاسكندرية منارة الحضارة المصرية ولتصل ذروته في بورسعيد احدي علامات التقدم والحضارة المصرية والتي تتعرض للعقاب الجماعي من جراء فعل مشين ليس من فعلها وعمل مؤثم ليس من جانبها, وجريمة نكراء ليس لها منها غير المشاهدة وكونها وقعت علي أرضها وملعبها وما تتعرض له من عقاب جماعي يتمثل في حصار أهلها وتعطل أعمالها وفقد مصالحها ونقص احتياجاتها. وتصور البورسعيدي وكان اعلانه عن بورسعيديته مصدر فخره وزهوه وفخاره فهو ابن قبيلة الدفاع المتقدم عن مصر, وهو بطل حروبهاالوطنية والقومية وسليل شهدائها ورجالها الأبطال الذي تضطره الأيام وبفعل فاعل لا تعرفه ان يبدل لوحات سيارته مخالفا للقانون وتحت سمعه وبصره, وعلانية وعلي مرأي ومسمع من الشرطة, ورجال المرور, حماة الشارع والطريق مقدرين لموقفهم وظروفهم فاللوحات تحمل أرقام الشرقيةوالاسكندرية وغيرها من المحافظات الأخري خلافا لأرقامها الصحيحة التي تحمل اسم بورسعيد وياحجم اللا معقول.. ويا حجم العبث وياكل كوميديا الموقف وهل من المعقول ان تصل بنا الحال لمثل هذا التخفي توجسا وحيطة وخيفة من الأهل والأقارب الأشقاء المصريين, وهل يكفي لمواجهة ذلك مسيرات التعضيد والشد علي اليد والطبطبة ودعوات الشيوخ ولافتات الأحزاب والمحافظات المجاورة وسيارات المعونة وطائرات الأدوية أي عبث وأي هرج ذلك الذي نعيشه بفعل ما اصاب العقد الاجتماعي ما بين الفرد والدولة من وهن وعجز, وما يمكن أن يؤدي به إلي التشرذم والتقسيم والتفتيت والجريمة الدخيلة علينا. خذ مثلا ما حدث في احدي قري الشرقية اعمالا لمبدأ حقي بيدي والحكم العرفي من قتل احد أقرباء متهم بقتل وحرق جثته والتمثيل بها علانية وعلي مشهد من الجميع ثم ظاهرة التهجير الأجباري لأسر في أكثر من قرية ممتدة من صعيد مصر وجنوبها الي العامرية بالاسكندرية وبطول البلاد وعلي امتدادها والتي تسجل كلها وتؤكد سقوط القانون والعقد الأجتماعي القائم ما بين الفرد والدولة والذي يقضي بحق المواطن في الحماية والامن والامان وفي العدل وعدم التمييز وهو في سبيل ذلك يتنازل عن جزء من دخله وناتج كده وعرقه بما أصطلح علي تسميته بالضرائب, والتي تواجه بها الدولة أعباء العدل والأمن. والذي انتهي به المطاف الي حصار بورسعيد في واقعة غير مسبوقة في التاريخ المصري الممتد لسبعة الاف سنة ومع مدينة رمز. المؤكد أن لا أحد يقر بالواقعة الفاجعة وبما حدث لكن القانون يجب أن يأخذ مجراه ومهمة أجهزة الأمن والنيابة العامة تتمثل في الأمساك بالمجرم والفاعل. وان عدم الوصول الي الفاعل الحقيقي يعكس ضعف السلطة وغياب الدولة ويمس سمعة الكيان كله, ويخل بواحدة من أولويات دورها في توفير الحماية والأمن لأبنائها واين هذا كله من المباديء القانونية والدستورية العامة من شخصية الجريمة والعقوبة ومن قوله تعالي ولاتزر وازرة وزر أخري ومن دولة القانون وخطورة تغيبه وتغييبه؟ ثم اليس من المتعارف عليه من العامة قبل الخاصة الا عقوبة بغير نص. وهكذا وصل بنا الترييف والتجريف والتراجع والتقدم الي الخلف الي ما نحن فيه من اعمال منطق الغاب في الأخذ بالحق وفي فوضي العقاب الجماعي ولعلنا نكون في حاجة ماسة أراها حتمية وضرورية للخروج من دوائر التخلف والقول بالأعراف والمتعارف عليه والنقل عن السلف بغير تدقيق وترك اعمال العقل الي الحكم بالقانون فالأصل في أعمال القانون وسيادة دولته والاحتكام لأحكامه دون تمييز أو تفرقة علي أساس من الدين أو العرق أو الجنس الي غير ذلك مما استقرت عليه مباديء حقوق الانسان. ولعلي أسمح لنفسي بأن أنوه الي خطورة وهمجية وعدم عدالة أو منطقية هذا الحصار المفروض علي بور سعيد وامتداد حالة الشك لدي أبناء المحافظة عن مسئولية هذا الحصار الي العديد من الداعين والمروجين والمنفذين والفاعلين له حد الساكتين عليه بالتواطؤ أو الترك أو التسطيح وبغير تقدير لخطورة هذا الفعل علي مستقبل العلاقة فيما بين أبناء الوطن الواحد. وهل لنا من وقفة عاقلة تمتد لتصويب وتصحيح المسارات المعحوجة التي تمتليء بها حياتنا في مرحلة من أدق المراحل وأكثرها وعورة, حيث وجوب إعمال العقل ومعالجة الأمر بكل الأهتمام درءا لخطر وخطورة استمراره وما يمكن أن يؤدي اليه من مخاطر جمة تمس في النهاية الكيان الأم وتهدده.