21 عاما مضت علي مسيرة الأهرام المسائي الصحفية, تلك المسيرة التي بدأت في17 يناير1991 مع انطلاق حرب تحرير الكويت بقيادة واعية وكتيبة مقاتلة ومدرسة صحفية عريقة ورصينة. القطار تحرك بقوة وثبات واكتسب مع الوقت زخما ووزنا إضافيا وطاقة متزايدة بكوادره التي صقلتها التجارب وعلمتها الأيام والشهور والسنون حتي أصبح المسائي جامعة تعج بالأقلام الصحفية الجادة, وتزدحم بالكفاءات, واتسعت رقعة قرائه لتشمل الشباب والشيوخ, الساسة والمسئولين والمفكرين وأساتذة الجامعات ومشجعي الكرة.. جمهور عريض أسهم في الارتقاء بصحيفته المفضلة شكلا ومضمونا والذي بدونه ما وصل المسائي إلي ما وصل اليه من نضج واستقرار, وما تواصل في تقديم رسالته السامية. ف قراء المسائي هم ذخيرتنا الحقيقية الذين نراهن عليهم دائما, وهم السند وقت الشدة, وهم الترمومتر الذي نستشعر من خلاله نبض الشارع, والبوصلة التي بدونها قد نضل الطريق. في هذا اليوم منذ21 عاما فتح الأهرام المسائي ابوابه لعشرات الصحفيين الشبان ومنحهم فرصة ثمينة للتدريب في أعرق المؤسسات الصحفية في مصر والشرق الاوسط والعالم وكانت كلمة السر هي الكفاءة وحدها, رغم شيوع مبدأ المحسوبية والواسطة والمجاملة بقوة وقتها, وهذه شهادة حق للتاريخ لا ينكرها إلا جاحد, وربما لهذا السبب انتقل المسائي من نجاح إلي نجاح ومن قمة إلي قمة. كما منح الأهرام المسائي المبدعين من قرائه مساحات كبيرة لنشر إبداعاتهم النقدية والأدبية والشعرية واحتضن مواهبهم بالنشر المتكرر إلي أن اصبح بعضهم أدباء وشعراء يشار لهم بالبنان والأمر نفسه ينسحب علي الكثير من كتاب المقالات والنقاد والرياضيين الذين وجدوا في صحيفتهم نافذة عريضة لآرائهم ومتنفسا لأفكارهم ومنتدي للالتقاء بالقراء. والآن.. يحتفل الأهرام المسائي بعشرات الصحفيين الشبان الذين انضموا لقافلته منهم من تم تعيينه مؤخرا ومنهم من ينتظر تدعيما لصفوفه وتجديدا لدمائه والتزاما من جانب الصحيفة تجاه الجيل الجديد ليستعد من جانبه لتحمل مسئوليته ويكمل المسيرة. ومثل أقسام الشرطة والمستشفيات ووحدات الرعاية المركزة لم يغلق المسائي أبوابه ليلا ولا نهارا علي مدي21 عاما يتواصل فيه العمل بلا توقف, في الإجازات الرسمية والأعياد والمناسبات, في الكوارث والنوازل والاحتفالات, ينطلق محرروه نهارا إلي المصالح والهيئات لجلب الأخبار, وفي الليل يعكفون علي صياغتها وتوضيبها حتي تخرج في صورتها النهائية مع تباشير الفجر نسخا طازجة للقراء. المسائي بيتنا.. بتنا فيه ليالي متصلة مدفوعين بحماستنا وحبنا للعمل, قربتنا الليالي فصرنا زملاء أشقاء, علمتنا الجلد وتحمل السهر والصقيع في الشتاء, وكنا نهرب إليه من شرد الصيف. هذه التجربة الفريدة خلقت ما يمكن وصفه ب روح المسائي فكنا نمكث في العمل أكثر مما نمكث في بيوتنا, نحتمي به من مشكلاتنا وأتراحنا, فزعنا من زلزال92 فقادتنا أقدامنا إلي الأهرام نلتمس الإحساس بالأمان بالانخراط في العمل, لنجد أنفسنا وقد حضرنا جميعا لمقر الجريدة في غير وقت العمل المعتاد بدون استدعاء. ثمة ظاهرة غريبة ارتبطت بالمسائي منذ ولادته والتصقت به وهي تألقه الشديد في الأزمات والأحداث الكبري وانفراده وتميزه في تغطيتها بصورة لافتة للنظر تحتاج إلي دراسة حتي أن التوزيع كان يقفز لأرقام قياسية لا تتفق مع كونه جريدة مسائية جديدة تحاول استقطاب قرائها بين جرائد كبري لها تاريخ طويل جدا ارتبط بها جمهور مما يصعب معه التحول لجريدة ناشئة. وأتصور أن أسباب هذه الظاهرة إضافة إلي المهنية في صياغته وتوضيبه وحرصه علي مواكبة الأحداث أولا بأول وانتسابه لمؤسسة الأهرام بكل تاريخها ومصداقيتها ترجع إلي الروح القتالية لمحرريه الشبان وارتباط ولادته بحرب تحرير الكويت, فالمسائي ولد في وقت حرب كان القراء حريصين علي متابعة أخبارها لحظة بلحظة حيث عدد الضحايا يتغير كل دقيقة وهو ما توفر في المسائي القادم بقوة, ثم تلاحقت الأحداث تباعا من زلزال92 إلي زلزال95 إلي غرق العبارة السلام98 إلي حريق قطار الصعيد إلي اغتيال فرج فوده الي التفجيرات الإرهابية في التسعينيات مرورا بحريق المسرح ببني سويف إلي تفجيرات برجي التجارة العالميين في2001 إلي غزو أفغانستان ثم احتلال العراق, فتسونامي الشرق الأقصي إلي أعاصير كاترينا وأخواتها في القارة الامريكية إلي حادث الطائرة المصرية إلي تفجيرات شرم الشيخ. وصولا إلي ثورات الربيع العربي في تونس ومصر وليبيا واليمن والبحرين وسوريا, مما أكسب فريق العمل في المسائي خبرة التعامل وبسرعة مع هذه الأحداث الكبري وتغطيتها من جميع جوانبها بالصورة التي ترضي القاريء الي الدرجة التي ولدت لديه الثقة في أنه سيجد في المسائي في أي أزمة ما لن يجده في غيره وهو مايفسر وصول التوزيع الي رقم الربع مليون نسخة يوميا في سنوات صدوره الأولي وهو إنجاز يدعو للدهشة, وما أكثر الأزمات والكوارث التي حدثت خلال العشرين عاما الماضية علي الصعيد المحلي والإقليمي والعالمي. هذه الأحداث الكبري والإيقاع اللاهث الذي كان يتم به العمل في الأقسام المختلفة بالأهرام المسائي افرز نوعا من المحررين يمكن وصفهم ب رجال المهام الصعبة القادرين علي العمل تحت الضغوط بأنواعها ولساعات طويلة وبلا كلل أو ملل, جنود يقاتلون تحت القصف احترفوا القتال فاكتسب كل منهم مهارات متعددة في العمل الصحفي في كل الأقسام فأصبحوا مع الوقت قادة قادرين علي إدارة منظومة صحفية وبرز بينهم رؤساء تحرير لجرائد ومجلات مستقلة ومديريين فنيين من طراز رفيع, فاختصروا الزمن وأنجزوا في سنوات مايحتاجه غيرهم لإنجازه في عقود. ليس فيما ذكرت مبالغة ولاشبهة شوفينية ولكنها الحقيقة مجردة يعلمها زملاء المهنة جيدا والمهتمون بالشأن الصحفي وأبرز دليل علي ذلك أن رئيس التحرير الحالي الأستاذ علاء ثابت المسئول عن إدارة الأهرام المسائي خرج من بين صفوف الجنود. ..واليوم نحتفل معا بالقراء المحترمين الذين رافقونا وتحملونا خلال مشوارنا الطويل علي مدي21 عاما وبالمحاربين القدماء من محرري الأهرام المسائي, وبالزملاء الجدد الذين انخرطوا في سلك الجندية الصحفية, وبزملائنا الراحلين الذين غيبهم الموت ومازلنا نذكرهم بكل خير وبكل الجنود المجهولين في الأقسام الفنية ممن تفانوا ومازالوا لإخراج الجريدة في صورتها الحالية.. واليوم نحتقل بالثورة في عامها الأول التي نتمني أن تكلل بالنجاح في تحقيق الاستقرار والرخاء والكرامة والعدالة والحرية لكل المصريين.