أشرقت شمس يوم جديد في سماء القاهرة, وبدأ اليوم كالعادة شديد الزحام, حيث توقفت الحركة المرورية تماما بميدان العتبة, وامتدت إلي الشوارع المحيطة به, وكان كل شيء كأنه في صراع مع الزمن الذي توقف تماما في عقل إسماعيل التاجر الثلاثيني. الذي يملك عقارا بمنطقة الموسكي التي يصفها كثير من التجار بأنها منجم الذهب نظرا لما تتمتع به من حيوية, وإقبال من المصريين والأجانب علي التسوق منها. ورث إسماعيل متجرا كبيرا لبيع الأقمشة والستائر عن والده الرجل الطيب الذي كان مثالا للتاجر الصادق ويتميز المتجر بأنه مليء بالبضائع التي يتهافت عليها الناس. نشأ إسماعيل منحرفا منذ نعومة أظفاره, حيث كان يقضي وقته في اللعب واللهو ومغازلة الفتيات والنساء في الشوارع, ولكنه عاش فترة منضبطا وهي الفترة التي تلقت وفاة والده الذي أجهز عليه المرض. تعرف الشاب علي ميادة فتاة ليل وتعمل بائعة في الصباح ضمن العديد من الفتيات اللاتي يعرفهن ويمارس معهن الرذيلة مقابل أموال طائلة يغدق بها عليهن دون أن يفكر, ولو للحظة واحدة في عقاب رب العباد الذي وهبه نعمة الأموال. وبينما هو كذلك كانت لميادة حياتها الخاصة, حيث كان من الطبيعي أن ترتبط بعدد ليس بالقليل ممن هم في مثل حالتها سواء من النساء أو الرجال الذين يقبعون جميعا في الوحل. كان أحمد المسجل خطرا والشهير بكوارش وهشام عاطل, وسبق اتهامه في عدد من قضايا المخدرات, وكذلك خلود من أعز أصدقاء ميادة الذين تجتمع معهم, ويتسامرون ويقضون أوقاتا سعيدة بصحبة الشيطان. وبينما هم في إحدي ليالي الأنس والمزاج قالت ميادة بصوت الذي وجد صيدا ثمينا, وهي تغمض إحدي عينيها وتفتح الأخري: إحنا عايزين فلوس وأنا لقيت الطريقة, في إشارة إلي إسماعيل الذي يعتبر من أفضل زبائنها, حيث كانت ترصد كل كبيرة وصغيرة بشقته في أثناء وجودهما معه. وبعد تفكير عميق خطط الأربعة للتخلص من الرجل والحصول علي كل ما خف وزنه وغلا ثمنه من الشقة, والهرب بعيدا بالتخفي عن الأنظار لكي تنفرج أزمتهم الطاحنة. وكما كان مخططا ذهب الثلاثة إلي منطقة الموسكي في ساعة متأخرة من الليل بإرشاد ميادة التي تعرف المنطقة خاصة أنها كانت تتردد علي الصيد الثمين كثيرا, وكانت الخطة شيطانية, حيث صعدت خلود إلي شقة التاجر الثري, وطرقت الباب فخرج لها علي الفور, حيث يعيش وحيدا فسألته ببراءة الدنيا عن عائلة وهمية الاسم, والمسكن فأجابها بنظرة ذئب إلي فريسته: مفيش حد هنا بالاسم ده وقال مبتسما: اتفضلي فشكرته في البداية ولكنها عادت, وطلبت منه في نفس الوقت أن يسمح لها بالدخول لكي تقوم بقضاء حاجتها بالداخل, لأنها أتت من مكان بعيد وظلت فترة في الشارع ولا تعرف أحدا في المنطقة. فقبل علي الفور, وتهللت أساريره بعد أن شعر في نظرتها بقبول استضافته لها, وبدأ يسرح بخياله بعيدا, وبعد دقائق معدودة كان هناك طارق آخر علي الباب, ولكن كان هذه المرة رجلا قبيح الصوت والمنظر رث الثياب وما إن فتح له الباب حتي عاجله أحمد بلكمة قوية طرحته أرضا, وإنهال عليه بسكين حتي أحدث به جروحا غائرة بالرأس, بينما أسرع هشام في تكبيل يديه ورجله بالحبال, وخنقه حتي لفظ أنفاسه الأخيرة وبسقوط المجني عليه الفتي البائس أرضا, وبعد تأكدهم من وفاته دخلت رأس الأفعي ميادة وبدأت في التفتيش علي أي أموال وغنائم, حتي وجدوا خمسة آلاف جنيه استولوا عليها, وكذلك هاتفه المحمول, ولاذوا بالفرار تاركين وراءهم بعثرة كبيرة في محتويات الشقة. وبعد مرور الليل, وفي الصباح لم يظهر التاجر في متجره أو في الشارع, وبدأت الاتصالات تنهال علي هاتفه المحمول, ولكنه كان مغلقا حتي أيقن أصدقاؤه وزملاؤه وجيرانه بأن مكروها أصابه, وبعد كسر الشقة سقط أغلب من دخلها مغشيا عليه, وسارع الجيران علي الفور بإبلاغ اللواء أسامة الصغير مدير الإدارة العامة لمباحث القاهرة الذي شكل فريقا للبحث تمكن بعد إجراء التحريات وفحص المترددين علي المجني عليه, وأصدقائه في وقت قريب من وقت ارتكاب الحادث من التوصل إلي المتهمين وضبطهم وبمواجهتهم أمام اللواء سامي لطفي نائب مدير إدارة المباحث انهارت ميادة وخلود باكيتين واعترفتا بالجريمة بالتفصيل ثم تبعهما المتهمان الآخران. تم تحرير محضر بالواقعة وأخطرت النيابة التي أمرت بحبس المتهمين وتولت التحقيق,