استشعر الاصدقاء وزملاء العمل غيابه.. رغم وجوده بينهم.. ساهم النظرات عابس الوجه بعد ان غادره الفرح.. وكست جهه متعاض وجهه الذي كان في نضارة الربيع لوعة داكنة داهمته وادخلته حقول المواجع وبساتين التعب. حتي عادة قراءة الصحيفة التي كان يحبها ويحب ممارسة رياضة الكلمات المتقاطعة تراجعت.. لم يعد يعتني بمظهره كما كان في السابق.. منذ اصبح من الرواد الدائمين للمقهي الذي كان يرفضه.. يحتسي القهوة والشاي في اعتيادية رتيبة وسط دوائر الدخان المتخلف عن احتراق سجائر الرواد يجلس الساعات الطوال كحطام سفينة قذفتها امواج عاتية نحو شاطئ دون مرسي تحيط به هالة من ضباب مصغر غير صاف يغادر المقهي بعد التأكد من هبوط الظلام.. بخطي بطيئة وثقيلة.. كما لو كان ينتزع قدميه من الأرض انتزاعا يدخل منزله الذي يريد ان يغادره بالنوم.. تقابله نفس الفوضي ونفس المرأة التي صارت سمينة ومتسخة ومهوشة الشعر. رائحتها مزيج متنوع من البصل والثوم ومخلفات المطبخ. يشعر بالألم من اجلها فشلت كل نصائحه معها.. لم تعد تنفع النصيحة مع قلب اصابه العطب غامت عيناه بنظرة شاردة وهو يتذكر كيف التقيا في مكتبة الجامعة.. تبحث عن كتاب كان يقرأه تركه لها.. غادة فارعة كانت وباهرة الحسن تختبئ عيناها الجميلتان خلف عدسات زجاجية في اطار مذهب انيق. استشعر معها بموجة بحر ربيعي تغمره في هدأة الصباح.. تحابا وتزوجا.. وخط السطر الاول في كتاب العمر.. سنوات عشر مرت علي زواجهما اثمرت عن ابنتين في عمر الزهور.. عبرت سحابة شتوية حين داهمته فوضي البيت وصاحبته التي اسدلت ستائر داكنة ثقيلة علي عشهما بدلا من الستائر الموشاة برسوم الطواويس وحوريات البحر تدفع به وهي لاتدري في هوة مخيفة من الحزن والفزع والتيه وموت الامل ونوبات جنون عاصف حين يلقي امرأة اخري غير التي تزوجها.. حاول الانسحاب من مواقيتها ورصيفها اكثر من مرة.. لكنه كان يتراجع في اخر لحظة من اجل الابنتين.. الساعات التي يقضيها بالمقهي بمثابة قطرات شحيحة.. تسري في حنايا القلب.. وتعينه علي تجرع المرارة وارتشاف الهم واستمرارية العيش.. قرر الاصدقاء ان ينفضوا عنه الهموم والاوجاع.. بعدان وجدوا الحل لدي زوجاتهن اللاتي قررن زيارتها ونصيحتها: بضرورة الاعتناء بنضارة المرأة وجمالها.. وجمال البيت.. والامساك بالزوج ومنعه من مغادرة المنزل وارتياد المقهي.. مع الحذر من ان هناك أخريات ينتظرن الفرصة يقفزن علي الفور للانقضاض علي الرجل الذي تخلت عنه زوجته كان لزيارتهن الاثر الطيب.. في عودة البهجة والالفة لمنزله وتوقفه عن ارتياد المقهي. بعد ان اصبحت امراة اخري اكثر جمالا.. واكثر رقة. محمد محمود غدية/ المحلة الكبري