من داخل العنبر رقم(1) بمركز التصنيف والتوزيع لأطفال الشوارع بمدينة دمنهور يتعالي صوت حزين باك يردد( أبويا هجرنا والخال ظلمنا والبخت مال) ومع وصول علي فهمي مدير المركز قرب العنبر يشم رائحة عفونة وقيح مصدرها ذات العنبر. وعلي الفور يقوم باستدعاء المشرف الليلي ويكتشف ان سبب تلك الرائحة وجود الطفل محمد أحمد محمود الذي القت شرطة الأحداث بالقاهرة القبض عليه بتهمة التشرد والذي يبلغ من العمر10 سنوات والذي أودع بالمؤسسة بمقتضي المحضر رقم118 أحوال لسنة2009 وهو مصاب بمرض جلدي خطير أدي إلي تقيح80% من جسده بالصديد حتي أصيب بالغرغرينا والتي سببت تلك الرائحة, فأمر مدير المؤسسة علي الفور بعزله حتي يتم وضع خطة للعلاج الصحي والاجتماعي والنفسي له, والذي استمر أكثر من6 شهور حتي بدأ الجلد يعود لحالته الطبيعية وشفي تماما من اصابته الجلدية واستقرت حالته الصحية فبدأت المرحلة الثانية في التعامل مع الطفل, وبعد وضع الفريق الاجتماعي والنفسي خطة للتعامل مع الطفل محمد والتي تهدف إلي تأهيله نفسيا والبحث عن أسرته والعمل علي عودته لأسرته الطبيعية, ومع بدء تنفيذ الخطة اعترف الطفل بعد عدة جلسات بعنوان أسرته حيث قامت أمل العليمي كبيرة الاخصائيين بالمؤسسة بزيارة للمنزل لتكتشف أن الأب ترك المنزل وهجر الأم ومعها خمسة أطفال أكبرهم13 سنة وأصغرهم4 سنوات دون أي رعاية حتي تراكمت عليهم الديون وايجار الشقة فقام صاحب المنزل بطردهم فلم تجد الأم أمامها إلا العودة لمنزل أسرتها في قرية البرنوجي مركز دمنهور حيث تعيش أمها المسنة( جدة محمد) في منزل مكون من دور واحد ويعيش أخوها( خال محمد) مع أسرته في منزل آخر في رغد من العيش لكونه يشغل وظيفة محترمة ورغم ذلك لم يقم بمد يد المساعدة أو العون لشقيقته( أم محمد) وابنائها وكأنه لم يسمع بالحكمة القائلة بان( الخال والد) بل علي العكس تبرأ منهم وتركهم عرضة للحاجة والعوز بل واضطهدهم رغبة منه وطمعا في الاستيلاء علي المنزل بعد وفاة والدته وتحقيقا لهذا الهدف قام برفع عداد الكهرباء من المنزل لتعيش شقيقته وابناؤها في الظلام وكذا عداد المياه حتي تضيق بهم سبل الحياة فيهجروا المنزل, ولكن اصرار الأم علي التمسك بالعيش مع والدتها المسنة وعدم ابلاغها بتصرفات شقيقها العاق خوفا علي صحتها ولكي لا تصطدم به كان مثلا رائعا في الكفاح والصمود, وفي هذا الجو المحبط والذي لم تفقد فيه الأمل في الله عز وجل عاشت الأم مع أطفالها الخمسة عند جدتهم وتحايلت عل سبل المعيشة بمعاونة أهل الخير, وهكذا عاش( محمد) حياته في منزل جدة مسنة وأم مكافحة وأب هجر الأسرة وخال يضطهدهم محاولا أكثر من مرة تطفيشهم من منزل( جدة محمد) ممنيا نفسه بالاستيلاء علي منزل الجدة بعد موتها, وهو الأمر الذي جعل محمد يهرب من المنزل ويذهب إلي القاهرة ويعيش مع أطفال الشوارع حتي تم القبض عليه واستقر بالمؤسسة, وتنفيذا لخطة العمل اصطحبت الاخصائية الاجتماعية الأم للتعرف علي( محمد) بالمؤسسة وفي المقابلة التي غلفتها الدموع تعرفت الأم علي( محمد) ولكنها طالبت ببقائه في المؤسسة حتي ينصلح حال الأسرة ويشفي جسد( محمد) من تقيحاته وحتي تستطيع الأم ايجاد سكن دائم وملائم لها ولاسرتها بعيدا عن تهديد شقيقها( خال محمد) للاقامة معهم, فتم القيام بزيارة لجدة( محمد) واطلاعها بصراحة علي أحوال ابنتها وأحفادها الخمسة وعن تهديدات ابنها( خال الأطفال) بطردهم من المنزل بمجرد موت الجدة, وعن موقف ابنتها وخوفها عليها وتحملها اضطهاد شقيقها وعدم ابلاغها بذلك خوفا عليها وعلي صحتها, فحزنت الجدة وبكت واستاءت كثيرا وطلبت مساعدتها بشكل قانوني لحماية ابنتها وأحفادها من اطماع ابنها وذلك بإتخاذ إجراءات نقل ملكية المنزل منها إلي ابنتها لتأمين حياتها ومستقبل أحفادها, وعلي الفور تحركت الوحدة القانونية بالمؤسسة واتخذت كل الإجراءات القانونية لنقل ملكية المنزل إلي أم محمد وتسجيله بالشهر العقاري, وتنفيذا لرغبة الأم تم رفع قضية خلع تم بموجبها حصول أم الطفل( محمد) علي الطلاق وهكذا تفرغت الأم لتربية أولادها ورعاية أمها المسنة في مسكن دائم, وفي سبيل ضمان دخل دائم للأسرة ليعينها علي الحياة تم تخصيص معاش ضمان اجتماعي من مديرية التضامن الاجتماعي للأسرة, وبمساعدة أهل الخير تم توفير مشروع صغير لهم علي هيئة كشك صغير بجوار المنزل تناوب علي العمل به الأم والأولاد, وباستقرار حال الأسرة طلبت الأم إعادة الابن( محمد) لأحضان أسرته وليعاونها علي إدارة الكشك والعمل به, كما قامت الأم بإعادة إلحاق( محمد) بالمدرسة بعد أن انقطع عنها, وهكذا أنصف المولي عز وجل الأم المكافحة, وفي زيارة لفريق العمل الاجتماعي( لمحمد) بعد خروجه من المؤسسة سمعوه وهو يردد في فرح( ربك علينا فرجها ولدعانا استجاب لما ظلمنا خالنا ونصفنا رب العباد)