يأتي شهر مارس من كل عام لأجد نفسي محلقا في سماء ذكريات عزيزة تعيد إلي الوجدان مدي عبقرية الفنان المصري الذي تبوأ القمة.. ففي هذا الشهر ولد فنان الشعب سيد درويش الذي تجاوز بموسيقاه كل العصور والحدود والأزمان.. وإذا كان العالم الخارجي لايعلم من هو سيد درويش فإن الوضع الداخلي للأسف ليس أفضل حالا, فقد عجزنا عن تقديم فنه للأجيال الجديدة التي لاتعلم انه صاحب الحان شهيرة غنتها الفنانة اللبنانية فيروز مثل زوروني كل سنة مرة وأهو ده اللي صار وأنا هويت والحلوة دي قامت تعجن في الفجرية وهو أول من آمن بضرورة وجود أوبرا مصرية وعربية لإنعاش المسرح الغنائي, فلحن أوبريتات عظيمة مثل العشرة الطيبة وشهرزاد والباروكة.. وهو أول من حرر الغناء من عباءة الانشاد والليالي وأمان يا لا للي وهي أشكال تقليدية تأثر بها نجوم الغناء والتلحين في ذلك الوقت.. وهو أول من خرج بالكلمة من إطارها الضيق الذي كان يعتمد علي كلمات تدور في فلك الهجر والحب والأنين إلي غناء يتناول الطبقات الكادحة مثل الشيالين والفلاحين وعمال الترحيلة. وفي هذا الشهر أيضا ولد موسيقار الأجيال محمد عبدالوهاب الذي تبوأ هو الآخر مكانة عالية في عالم الموسيقي والتلحين بتطوره المذهل وملاحقته لكل الأجيال التي عاشها, فبعد أن كان أغنية بلبل حيران أول لحن يعرفني وأنا طفل صغير علي هذا العبقري المتميز كانت أغنية ياجارة الوادي من الألحان التي يدندن بها أخي الأكبر, بينما كان الموال الوحيد سبع سواقي هو المفضل لدي ابن خالتي.. وعندما وصلت إلي سن الشباب شدني لحنه العبقري النهر الخالد بموسيقاه المتميزة ثم رأيناه في صورة حديثة له في فيلم غزل البنات وهو يشدو بلحن عاشق الروح.. ومع كل عصر كانت موسيقاه تتجاوب مع الروح السائدة إلي أن وصل العندليب عبدالحليم حافظ وسمعنا منه أعذب الألحان وأحلاها مثل توبة وأهواك وفاتت جنبنا وفوق الشوق وأخيرا وصل إلي لقاء السحاب كما وصفه جليل البنداري وهو وصف يعلو كثيرا علي أي قمة مع كوكب الشرق أم كلثوم حين غنت وأبدعت في لحن انت عمري وادخل في تختها الموسيقي الآلات الغربية مثل الأورج والجيتار وجعلها تتمايل طربا بعد أن كانت تتخوف من طول المقدمة الموسيقية واعتقادها عدم استساغة الجماهير لها, ولكنها فوجئت بالسميعة يطالبون بإعادة المقدمة قبل أن ينطلق صوتها العذب بالغناء. [email protected]