أعجبني الحوار الراقي الذي فتحه الدكتور محمد المخزنجي علي صفحات الزميلة الشروق حول برنامج مصر النووي. للدكتور المخزنجي رأي يقول بأنه ليس من مصلحة مصر بناء مفاعلات نووية. يستند الدكتور المخزنجي إلي الحوادث النووية التي وقعت في بلاد متقدمة مثل إنجلترا واليابان والولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي السابق وذلك في إطار لفت النظر إلي مخاطر الطاقة النووية من ناحية, ولأهمية التركيز علي مصادر أخري أكثر أمنا للطاقة المتجددة. أختلف مع هذا الرأي وإن كنت أري ضرورة الاشتباك معه بالحوار ومقارعة الحجة بالحجة, فلا أحد يحتكر الحقيقة مهما كان شأنه. أكثر ما أعجبني في هذا الرأي هو أنه يناقش مشروع مصر النووي علي أرضية الأمان من ناحية وبدائل الطاقة من ناحية أخري, علي عكس أغلب النقاشات التي دارت حتي الآن حول هذا الشأن انطلاقا من أرضية الفخر والمكانة الوطنية. فكثير من أنصار مشروع مصر النووي يرونه خطوة مهمة علي طريق استعادة مكانة إقليمية, وهو ما يوافق عليه فريق آخر دون أن يفوت فرصة انتقاد الحكومة لأنها تأخرت في تنفيذ هذا المشروع كثيرا. اختزال قضية مهمة كالطاقة النووية في الاعتزاز والمكانة الوطنية فيه مشكلة كبيرة فتحت هذه الراية يمكن لنا أن ننزلق لأكثر القرارات خطورة. تجنب أنصار البرنامج النووي وخصومه مناقشة الموضوع الحقيقي بالتركيز علي المصالح التي تقف وراءه أو في مواجهته. ركز نقاد الحكومة من أنصار البرنامج النووي علي رجال أعمال يسعون لتعويق المشروع من أجل اقتناص الأرض المخصصة له في الساحل الشمالي لإقامة المزيد من المشروعات السياحية. أنصار الحكومة علي الجانب الآخر يركزون علي قوي دولية لها مصلحة في تعويق التحاق مصر بالعصر النووي. الدكتور المخزنجي وقع في نفس الفخ عندما قال بأن شركات دولية متخصصة في إنتاج المفاعلات النووية ومهندسين وعلماء مصريين في المجال النووي كلهم يقفون وراء المشروع من أجل مصالح خاصة. لا أستبعد عامل المصلحة هنا وهناك, لكن الطريقة التي يتم التعامل بها مع موضوع المصلحة يوحي بأن وجود المصلحة ينزع عن الفكرة شرعيتها, وأن المصلحة الوطنية هي فقط المصلحة التي يقف وراءها الجميع بشكل متساو, وهو وهم لا وجود له في الواقع الفعلي. فالمصالح الخاصة والفئوية موجودة دائما, وتعارض المصالح والتسوية بينها هو الطريق الوحيد لتقدم الأمم, أما الأفكار التي لا توجد مصلحة ما وراءها فإنها تموت قبل أن تري النور.