كلّ إنسانٍ حينما يصوم رمضان له حال وله مقام ومرتبةٌ عند الله تعالى، فهناك إنسان ينتقل بِشَهر الصّيام من المعصية إلى الطاعة، وهو شيءٌ جميلٌ جدًّا، وهناك إنسان ينتقلُ من طاعة غير مخلصةٍ إلى طاعةٍ مخلصة، وهذه درجة أعلى، وهناك إنسان ينتقلُ بالصّيام من العبوديّة إلى مرتبة العلم، وهى درجة أعلى، وهناك إنسان ينتقلُ فى الصّيام من مرتبة الإسلام إلى مرتبة الإيمان، وهناك إنسان ينتقلُ فى الصّيام من مرتبة الإيمان إلى مرتبة التقوى، وهناك إنسان ينتقلُ بالصّيام من مرتبة التقوى إلى مرتبة الإحسان، فالصّيام نقْلةٌ نوعيّة سَنَوِيّة، تحريضٌ ومناسبةٌ سنويّة لِتَرتفع بها من مستوى إلى مستوى، فلو أنّ الإنسان كان فى المعصيَة فهو مناسبةٌ للتوبة، ولو أنّ الإنسان جاءه رمضان وهو تائب مناسبةٌ للإخلاص، ولو أنّ الإنسان جاءه رمضان وهو مسلم مناسبة ليكون مؤمنًا، وهكذا، قد ينقلك الصّيام من مرتبة مدافعة التدنّى إلى مرتبة متابعة الترقّى. قال عليه الصلاة والسلام: «جاءنى جبريل فقال لى: رغِمَ أنفُ عبدٍ أدرك أبَوَيه فلمْ يُدخلاه الجنّة - أى برُّ الوالدين عملٌ عظيم، ربّما كان كافيًا لدخول الجنّة - فقلتُ: آمين، ثمّ قال جبريل: رغمَ أنفُ عبدٍ ذكِرت عندهُ فلم يُصلّ عليك، فقال: آمين ، ومعنى رغم أنفه أى خابَ وخسر، ثمّ قال جبريل: رغمَ أنف عبدٍ أدرك رمضان فلم يُغفر له» إنّ هذا الشّهر فُرصةٌ سنَوِيّة بِنَقلةٍ نوعيّة، بِحَسب إخلاصك للعبادة والتى هى إخلاص لله عز وجل، فرصة يجب اغتنامها فرصةٌ سنويّة لِنَقلةٍ نوعيّة، أو لقفْزةٍ نحو الأعلى. أن نظنّ أنّ عبادة عظيمة بحجم عبادة الصّيام أمرنا الله بها، تعتمد فقط على ترْك الطّعام والشّراب، فالله سبحانه وتعالى غنيّ عن تَجويعنا، وغنيّ عن تعذيبنا، وغنيّ عن إرهاقنا، وإنّ جوعنا وعطشنا لا يفعلُ شيئًا عند الله عز وجل، إنّ العبادة التى تبدأ بِتَرك الطّعام، وتنتهى بِتَناولِه ليسَت عبادة، وليست من الدّين فى شيء، إنّ هذه العبادة العظيمة مَظهرها ترْك الطّعام والشّراب ولكن حقيقتها إنابةٌ إلى الواحد الدّيان، وعودةٌ إليه، وتذكّر لِعَهد الطاعة، لذلك الله سبحانه وتعالى يقول فى بعض الأحاديث القدسيّة: «إنّى والإنس والجنّ فى نبأ عظيم، أخلق ويُعبدُ غيرى» فأنت فى رمضان مَدفوعٌ إلى أن تعبد الله وحده، ولكن هذه العادة التى يقعُ فيها بعض الناس أنّ رمضان يغضّ فيه بصرهُ، ويُحصنُ فيه نفسهُ، ويدع فيه قول الزور، والعمل به، ويدع الكذب والغيبة والنميمة، فإذا أفْطر فى واحد شوّال أفطرتْ معهُ جوارحهُ، فعاد إلى ما كان عليه، ليتَ شِعرى ماذا فعل هذا فى رمضان ؟ إنّه كمن يُلقى ماءً فى وعاءٍ لا قعْر له ، ماذا فعل ؟! ما فعل شيئًا ، فالإنسان حينما يصوم فى رمضان يجبُ أن يُقلع عن المعاصى فى كلّ السنّة، أقلعَ فى رمضان لِيُقلع عن كلّ معصيَة حتى نهاية الحياة.